للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدال، ولا يُقال: إن النسبة مخالفةٌ للقياس، لأنا نقول: إن مخالفة القياس فيها لا يُقضى بها إلاَّ لِتعذُّر القياس، ولذلك لم يُفَسَّر القدرية بنفاة القدر إلاَّ لمنع الأدلة من ذمِّ من أثبته.

ومع هذا فالذي ذكر ابن العربي مُشْكِلٌ جداً، فإن معاني هذه المادة تباينُ تبايُناً كثيراً عند اختلاف تركيبها كسائر تراكيب الكلام ومواده، إلاَّ ترى أن القاف من هذه المادة متى كُسِرَت وسُكَّنَت الدال دلَّت على الوعاء الذي يُطبخ نيه، وذلك غير معنى القضاء والتقدير، وكذلك القدرة بضم القاف غير القضاء والقدر.

وأما قولهم: إن القدريَّ هو الذي يُثْبِتُ (١) لنفسه قُدرةً، فإن عَنَوْا أنه الذي يُثبتُ لنفسه قدرةً خلقها الله تعالى، فهذا إجماع المسلمين، وإن عَنَوا قُدرةً لم يخلُقها الله تعالى له، فلم يَقُل بذلك أحدٌ من مبتدعة المسلمين، وإنما حملهم على ذلك الفِرارُ من النسبة إلى النفي.

وقد تقدم من الأدلة ما يَقْضي بصحته وشُهرته، وأنه على تقدير عدم الصحة اصطلاحٌ مُوَلَّدٌ لم يُبْنَ عليه تكفيرٌ ولا تفسيقٌ ولا حُكْمٌ شرعي، وإنما تثبتُ الأحكام على الأدلة الصحيحة عقلاً وسمعاً سواءٌ صَحَّت هذه التسمية أو لم تصح، فلا حاجة إلى تَكلُّفِ أمرٍ غير واضح.

فإذا تقرَّر أن القدرية هم نُفاة القدر، وقد ثبت أن عِلْمَ الله تعالى السابق وكتابته مقادير الخلائق هما أساس القدر وعموده على ما نطقَتْ به النصوصُ السابقة فلا تكون القدرية على التحقيق إلاَّ نفاة علم الله السابق وكتابته، وبهذا فسَّرهم النواوي في أول " شرح مسلم " (٢)، وعزاه إلى القاضي عياض ونَقَلَةِ المقالات من المتكلمين المتقدمين، وذكر أنهم قد انقرضوا، وحكى عياضٌ بعد قليلٍ أنه قول الفلاسفة.


(١) في (ش): " لم يثبت " وهو خطأ.
(٢) ١/ ١٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>