للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فائدة عظمى تُشَدُّ إلى معرفتها الرِّحَال ولا يعرف قدرها إلاَّ أذكياء الرجال من فُرسان هذا المجال، وهي أن من طبع النفس إنكار ما لا تعرفه، والنُّبوَّ عما لا تألفه، ولا يَفطِمُها عن هذه الضرورية الطبيعية إلاَّ معارضتها بمثلها في الضرورة، لأن القوي لا يُعارَضُ بما هو دونه في القوة فلذلك لا يُعارَضُ الضروري بالاستدلالي القطعي، والقطعي بالظني، فمن أراد كسر قوة هذه الطبيعة، فذلك بالإكثار من أمرين:

أحدهما: أن يستحضر على الإنصاف الفكر إنه قد وقع ما لا تَعْرِفُه نفسه، ولا تألَفُهُ بالضرورة العقلية، والوقوع فرع الصحة، فكيف تشُكُّ لأجل ذلك فيما جاء به الشرع مما لا تعرفه ولا تألفه، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {أم خُلِقُوا مِنْ غَيرِ شَيءٍ أمْ هُمُ الخالقونَ} [الطور: ٣٥] وأمثالها في كتاب الله تعالى.

ومن ذلك: إثبات القِدَم، ولا بُدَّ منه، فمن لم يثبت القِدَمَ للرب سبحانه من الفلاسفة أثبت القِدَم للعالم، ولو قدرنا وجود من ينفي القدم، ويساعد النفس إلى استنكاره أمران:

أحدهما: القول بثبوت معنى القدم وما لا نهاية له للأمور المعقولة مما لا وجود له مثل الجهات الست، فإنه لا نهاية له ضرورة، لأن تصور طرف لا جهة بعده ولا فراغ محال.

وكذلك يلزم ثبوت صفة (١) القدم للعدم لا يقال: يصح ذلك، لأنها أمورٌ غيرُ حقيقية، لأن العقل إنما امتنع من تصور قِدَمِ الأمر الحقيقي، لكون القدمِ لا نهاية له، لا لكونه صفة أمر حقيقي.

وثانيهما: القول بحدوث هذا العالم، وخروجه من العدم لغير موجب، وهذا محالٌ في ضرورة العقل، فثبت أنه يلزم ما هو محالٌ أو محارة، فالمحال


(١) في (أ): " وصفه "، وفي (ش): " وصفية ".

<<  <  ج: ص:  >  >>