للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لازم من تقدير الكفر، والمحارة لازمةٌ لبعض من قصَّر علمه من أهل الإسلام، فمن لم يقل بالإسلام لوقوعه منه في محارةٍ، قال بالمحال لا محالة، ومن قال بالإسلام، صَحَتْ نفسُهُ من الوقوع في المحارة، فإن المحارة: عبارةٌ عما لا يمكن العقل تصوُّرَه مع تجويزه بالنظر إليه في نفس الأمر، وإنما هو ممتنعٌ بالنظر إلى تصوُّر العقل له، والمُحال ممتنع بالنظر إلى تصور العقل وإلى نفس الأمر، فإنما مع الإصغاء إلى التشكيك غاية الإصغاء يَجِدُ العقل يجزم حينئذٍ بإمكان المحارة، وامتناع المحال.

ومن لم يميز بينهما، كابن عربيٍّ الصُّوفي، جوَّز المُحالاتِ كلها، وإلى ذلك أشار بقوله (١):

صورة الكونِ مُحالٌ ... وهي حَقٌّ في الحقيقةِ

وهي سَفسَطَةٌ محضةٌ ومعها لا يصح له قوله: وهي حق في الحقيقة، فتأمل.

ولا يندفع مثل هذا إلاَّ بوجدان بطلانه بالضرورة التي لا اختيار في كسبها، فالمريب في الإسلام وما جاء به بسبب ذلك كالمستجير من الرَّمضاء بالنار، لا بل كالمستبدل الظُّلَمَات بالنور، وبالظِّلِّ الحرور.

وإذا كان لا بد من وقوع الكفار في المُحالات، وبعض المسلمين في المحارات في باب مدارك العقول التي لا خلاف أن العقول تعرفها، فكيف باب التحسين والتقبيح الذي يَقِفُ على الوجوه والاعتبارات والأمور الإضافيات، ويتقدم الجزم فيه بالنفي والإثبات على الإحاطة بمعرفة جميع الحِكَمِ والغايات والتأويلات، وخوض العقل في هذا الباب قد أنكره جماعة جِلَّةٌ من أهل


(١) في " فصوص الحكم " ص ١٥٩ وبعده:
والذي يفهم هذا ... حاز أسرار الطريقة

<<  <  ج: ص:  >  >>