المعارف والعقليات، والخوض في اللطائف الخفيات، فهو أولى بتجويز المحارات العقلية، والتسليم للنصوص الشرعيات.
وثانيهما: تخويف النفس بالوقوع في المَخُوفات الهائلة، بل عذاب الآخرة، نعوذ بالله منه، ولو أمكن إيقاعها في المخوف، كان أنفع لها، قال الله عز وجل:{وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ}[الأنبياء: ٤٦] ولكن تخويفها يكفي عند عدم التمكن من أكثر منه، فإنها لا تؤمن بالغيب والمحارات والمستبعدات، فإنها لا تأمَنُ منها، لأنها كفارةٌ مطبوعةٌ على عدم الإيمان بشيءٍ من ذلك نفياً وإثباتاً.
وهذا أوضح دليلٍ على أنها لم تستند في نفي ما لا تعرفه من المحارات إلى علم يقين، لأنه لو كان كذلك لما وجدت الخوف والتخويف، فإن المتيقن لانتفاء العذاب لا يَجِدُ عند التخويف خوفاً ولا يتشكك بالتشكيك (١)، فإنه لو قال لنا قائلٌ: إن العشرة أقل من الخمسة، والبعض أكثر من الكل، وشَكَّك علينا في ذلك، لم نَشُكَّ أبداً. فوجدان الشك والخوف عند التخويف مستلزمٌ للجهل ضرورةً، وإلى هذا الوجه الإشارة بقوله تعالى:{قُلْ أرأيتُم إنْ كان مِنْ عِندِ الله وكَفَرتُم بِه} إلى قوله: {إنَّ الله لا يَهدي القوم الظالمين}[الأحقاف: ١٠].