للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنه يُؤثِرُ هواه على ما يعلم أنه حق، كما يُؤثِرُ الإقبال على دار الفناء مع العلم الضروري الذي لا ينجي منه عملٌ، ولا تُرجى فيه شفاعةٌ، ولا تشكك فيه شبهةٌ، وما أحسن قول بعضهم:

حسبي من الجهل علمي أن آخرتي ... هي المعاد (١) وأنِّي لا أُراعيها

وأن دُنياي دارٌ لا قَرارَ بها ... ولا أزَالُ مُعَنَّى في مساعيها

وهكذا النفس ما زالتْ مُعَلَّلةً ... بباطلِ العَيْشِ حتى قام ناعيها

وكم من أمرٍ راجحٍ بالضرورة لا تساعد إلى المسارعة (٢) إليه، فقِسْ على ذلك اعتذارها بالشكِّ في الاستدلاليات، فما هو إلاَّ من الخُبثِ والخداع والمَكْرِ والفساد، فنسأل الله العظيم الإعانة على هذه النفس الأمَّارة بالسُّوء إلا ما رحم الله.

فهذه مذاهب السنة، وهي سبيل السلامة، وقد كنت دوَّنْتُ هنا أقاويل المتكلمين من المبتدعة وأهل السُّنَّة، وكلام ابن تيمية وأصحابه في المنع من دوام العذاب وادعاءهم أن السمع ما ورد بذلك قطعاً وأن العقل يمنع منه، وما رووا في ذلك من اختلاف السلف، وسيأتي تلويح الغزالي إلى هذا في " المقصد الأسنى " (٣) في شرح " الرحمن الرحيم " من الأسماء الحسنى، وإنشاده ذلك:

لَقَدْ أسْمَعْتَ لو (٤) نَاديتَ حَيَّاً ... ولكن لا حَياةَ لِمن تُنادي

ولكنه سمَّاه سراً، وادَّعى منع الشرع من إفشائه، وأنه يَفسُدُ بسببه كثيرٌ من الناس، وذكر ذلك في مقدمات كتابه " إحياء علوم الدين "، وفي بعض كلامه استدراكٌ عليه قد ذكرته فيما تقدم.


(١) في الأصول: " الممات " وكتب فوقها في (أ) و (ف): " المعاد "، وهو الصواب.
(٢) في (ش): المساعدة.
(٣) ص ٦٣.
(٤) في (ش): إذ.

<<  <  ج: ص:  >  >>