للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنتهى إقدام الخائضين في هذه الغمرة، وأقوى ما تمسَّكوا به هو نقل كلام بعض الصحابة والتابعين وأئمة السنة في تفسير قوله عز وجل: {قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام: ١٢٨]، وفي آيةٍ أخرى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود: ١٠٧] ونحوهما. بل خصَّ بهذا الحديث جميع عموم القرآن كما يخصُّ بآيات التوبة جميع عمومات الوعيد، وكما هو القاعدة في تخصيص العُمومات، وإن كَثُرَتْ بالخصوص على جهة القطع دون التوقف، أو يجعل هذا من المتشابه، ويجب الوقف، ويرد تأويله إلى الله تعالى.

فهذه ثلاثة أقوالٍ، والتقصي لتفاصيل أدلتهم ومعارضتهم تخرج عن المقصود، وتحتاج إلى تأليفٍ مستقلِّ، وذِكرُ طرفٍ منه يُثير الشكَّ، ويُمْرِضُ القلب.

والحق أنه إن حصل في هذه المشكلة علمٌ ضروريٌّ من الدِّين أو إجماع المسلمين، انقطع الاضطراب، وحمل عليه مختلف السنة والكتاب، وإلا وُكلَ تفسير المتشابه إلى رب الأرباب من غير شك ولا ارتياب، والله أعلم بالصواب.

وقد صنَّف ابن تيمية في نصرة مذهبه، وصنف الذهبي في الرد عليه، ولي في ذلك مباحثٌ وزياداتٌ، وانتقاد على كل منهما، ولي في ذلك قصيدةٌ مُطوَّلةٌ سميتها " الإجادة في الإرادة " وهي أكثر من ألف بيتٍ " من أولها:

تَحَيَّرَ أربابُ النُّهى مالمُرادُ بالـ ... ـعُصاة من الجن وأولاد آدمِ

أخيراً أراد الله بالخلق أوَّلاً ... أم الشَّرُّ مقصودٌ لأحكم حاكِمِ؟

فإن كان خيراً هل يجوز فواته (١) ... على قادِرٍ للذات بالغيب عالمِ

وإن كان شراً هل أُريد لنفسه ... أم الخير مقصودٌ به في اللوازمِ


(١) في (أ) و (ف): فوته.

<<  <  ج: ص:  >  >>