للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: وأما القصدُ، فيجب أن يكون مقارِناً للمراد، وأن يكونا معاً من فعل فاعلٍ واحدٍ، فلا يقع من أحدنا قصدٌ إلى فعل الغير، ولهذه (١) الطريقة تُسَمَّى الإرادة التي يقع بها الكلام خبراً قصداً، ولا يُسَمَّى ما يؤثر في كونه أمراً لمن هو أمر له مُسَمَّاه بأنها قصد هذا (٢) التفصيل، ويشبه القصد من هذا الوجه قولنا: إيثارٌ واختيارٌ، لأن حكمهما حكمه (٣) سواء. انتهى بحروفه.

واشتراطه في القصد (٤) أن يكون فاعله فاعل المقصود، إن أردنا بالقصد الإرادة نفسها، فهي مسألة خلافٍ بين المعتزلة يأتي بيانها في الوجه الثالث إن شاء الله تعالى.

فإن أراد بالقصد وجهاً من وجوه تعلق الإرادة، فمُسَلَّمٌ وهو ظاهر مراده، وهذا الكلام يدل على أن للإرادة (٥) تعلُّقاتٍ مختلفةً، بعضها: يتعلق بالحدوث، يتخصص الحدوث لأجله بوقتٍ دون وقت، وقَدْرٍ دون قدرٍ، فيسمى إرادةً ولا يُسمى نيةً، وبعضها: يتخصَّص بالوجوه المختلفة المُقتضية للحسن أو القبح، فتميز من بين سائر أقسام الإرادة بهذا المعنى، ويختص لأجل تميزه بهذا باسمٍ مُفرَدٍ: وهو النية التي توثر (٦) في الأعمال، وهذا مطابِقٌ لما ورد به النص المتفق على صحته نقلاً ومعنىً وعملاً.

وهذا التعلق المخصوص الذي ميز هذا النوع من الإرادات هو أثر قدرة العبد وحدها، فلذلك نُسَمِّيه ناوياً وليس بمتعلِّقٍ بقدرة الله تعالى، ولذلك لم يصح إطلاق الناوي على الله تعالى، كما اعترف بذلك ابن متويه، وكما سيأتي تقريره في كلام الباقِلاَّني في تعريف معنى الأحوال.

وفي هذا جواب قول السائل: إن النية هي الإرادة، وبيانُ غَلَطِه في ذلك بإجماع المعتزلة والأشعرية بسبب افتراق العبد والرب في وجوه تعلق الإرادة.


(١) في (ش): وبهذه.
(٢) في (ش): ففيه هذا.
(٣) " حكمه " لم ترد في (ش).
(٤) في (أ): القصر، وهو تحريف.
(٥) في (أ): الإرادة.
(٦) في (ش): لا تؤثر، وهو خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>