للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتسميته بأخصِّ أسمائه لم يمنع ذلك لتقدم اختيار العبد في نيته من فعل الله تعالى لشعوره به قبل وقوعه وحال وقوعه (١)، فإنه إنما وقع على جهة الامتحان عندهم، كما يؤثر الله في التفريق عند السحر عند الجميع على جهة الامتحان، وكما يؤثر سبحانه في قبض الأرواح عند فعلنا لسبب ذلك.

وكذلك سائر المسبَّبَات عند الجميع فتؤثر نية العبد في المسببات إجماعاً مع عدم استقلاله في ذلك إجماعاً، والتشاغلُ بمثل هذا يحتاج إلى الاعتذار.

ولولا أن القصد بذكره أن يكون وسيلةً إلى ترك التكفير لمن غَلِطَ في هذه الدقائق التي لا تُعْلَمُ ضرورة من الدِّين، فإني ما قصدت إلاَّ هذا، ولم أقصد تصحيح القول بالكسب دع عنك الجبر، فإن المختار عندي قول أبي الحسين وأصحابه من المعتزلة، وابن تيمية وأصحابه من أهل السنة، فإنهم قد صححوا أن الحركة والسكون وَصْفَانِ إضافيان تابعانِ للذات، ولهم ردودٌ قوية على من زعم أن الأكوان ذواتٌ ثُبوتيةٌ، وأين من يعرف ما قالوا كيف الأمر برده بالبراهين القاطعة (٢).

ولو ذهب ذاهب من أهل الكسب إلى مذهبهم لجوز تأثير قُدرة العبد في الأكوان، ونزَّلَها أنفسها منزلة الوجوه والاعتبارات عند الباقلاني، وهو مذهبٌ صحيح الاعتبار، قوي الأساس على قواعد النظار.

وإذا ضمه الجويني إلى ما اختار، لم يبق عليه غُبار، ومنتهى ما يلزم أهل الكسب أن يكون فعل العبد، وخلق الرب سبحانه مقدورين مختلفين معنىً، متلازمين وجوداً، بين قادرين غير متمانعين، ولا ماء من ذلك قاطعٌ بحيثُ يمنع قدرة الله تعالى عن أن يشرك العبد في فعله هذه المشاركة، بل منتهى ما فيه مقدورٌ واحدٌ بين قادرين، وقد جوزه أبو الحسين وأصحابه من المعتزلة وجماهيرُ الأشعرية، وليس فيه كفرٌ ولا فسوقٌ ولا عصيان ولا مُروق.


(١) " وحال وقوعه " لم ترد في (أ)، و (ف).
(٢) في (أ): وإن من يعرف ما قالوا كيف من يرده بالبراهين القاطعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>