للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ممكنٍ فإنه لا يلزم من فرض وقوعه محالٌ (١) وإلاَّ لكان أيضاً محالاً، لأن ما لا يوجد إلاَّ عند وقوع المحال فهو محال. إلى آخر ما ذكره.

انتهى ما أردتُ من نقل كلامه، وهو صريحٌ في أنه ما عنى بوجوب الفعل وإحالة الترك ما يخرج عن القدرة والاختيار، ويُبْطِلُ معنى الفاعلية، وإنما عنى الذي عنته المعتزلة في فعل الله تعالى لما يجب في حكمته والاحتجاج به كثير في كتاب الله، مثل قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ} [المائدة: ١٨]. فهدا الرَّدُّ عليهم مبنيٌّ على أنه لا يقع من الأفعال ما لا داعي إليه، وإن كان مُمكِناً في نفسه بالنظر إلى القدرة، وإنما لم يقع مثل ذلك، لأنه لا داعي إلى عذاب الولد والحبيب وإن كانا مذنبين، فإن الداعي إلى العفو عنهما موجود، والصارف مفقود، وحينئذ يجب وقوع العفو ويترجَّح على العقاب.

ومن ذلك قوله تعالى لمن ادعى ذلك منهم: {فَتَمَنَّوُا المَوتَ إنْ كُنتُم صادِقينَ} [البقرة: ٩٤] وإنما ألزمهم تَمَنِّيه لوجوب الداعي الراجح لو صحَّت دعواهم.

ومن ذلك قوله تعالى: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} [البقرة: ٩٥] فإنه قطع على نفي تمنِّيهم لذلك، وعَلَّله بوجود الصارف الراجح، وذلك الصارف هو علمهم بما قدَّمت أيديهم وما يستَحِقُّون عليه من العقوبة.

ومن ذلك قوله تعالى: {اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [يس: ٢١]. ووجه الاحتجاج بذلك أن الكذب لا يقع إلاَّ لداعٍ أو جهلٍ بقبحه، وقد تبين نزاهة الرسل في الأمرين معاً، إذ (٢) كانوا مهتدين لا يجهلون قبحه غير سائلين لأجرٍ، فلا (٣) يُتَّهَمُونَ بالحيلة بالكذب على تحصيل المال، والكذب لا


(١) في (ش): بحال، وهو خطأ.
(٢) في (ش): إذا، وهو خطأ.
(٣) " فلا " سقطت من (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>