للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والخلق بهذا المعنى هو الذي تفرَّد الرب عز وجل به كله دِقِّهُ وجِلِّهُ، صغيره وكبيره، وعظيمه ويسيره، وهو الذي تمدَّح الرب سبحانه بالتفرد به، والذي أراد أهل السنة بنسبته إليه وقصره عليه، ولا يجوز إطلاق الخلق على غير الله تعالى -وإن أُريد به التقدير- إلاَّ مع القرينة الدالة على ذلك كالربِّ، فإنه لفظة مشتركة يقال: رَبُّ الدار، ورب المال، بهذه القيود والقرائن، ومتى تجرد (١) عنها لم يَجُزْ إطلاقه إلاَّ على الله تعالى، وهذا هو محل النزاع بين أهل السنة وبعض المعتزلة، ففي المعتزلة من يسلِّمُ مذهب أهل السنة وهم البغدادية، فقد حكى ابن متويه في " تذكرته ": أن المخلوق عندهم بغير إلهٍ.

ومن المعتزلة من جعل الخلق على الحقيقة للعباد فلا يطلق على الله تعالى إلا مجازاً، وذلك لمخالفته في معناه، لا أنه جعل المعنى الذي ينسبه أهل السنة إلى الله تعالى مقصوراً على العباد: منهم أبو عبد الله البصري (٢) ذهب إلى أن الخلق بمعنى الفكر، والفكر لا يجوز على الله تعالى، وهذا ما لا أصل له إلا أن يكون استخرج ذلك من قول اللغويين: إن الخلق بمعنى التقدير، وظن أن الفكر بمعنى التقدير، وغفل عن كون صفات الله تعالى لا تشبه صفات المخلوقين.

فلو ذهبنا هذا المذهب، عطَّلناه سبحانه عن (٣) جميع صفاته، فإن الإرادة فينا تستلزم الحاجة، وصفة العلم والقدرة والحياة تستلزم الجسمية والبنية المخصوصة، وقد تقدم ذلك.

والعجبُ من الزمخشري مع تَضَلُّعه في (٤) علم اللغة واشتغاله بتفسير القرآن


(١) في (ش): تجردت، وهو خطأ.
(٢) هو أبو عبد الله الحسين بن علي البصري، الملقب بالجُعَل، الفقيه المتكلم صاحب التصانيف، قال الذهبي في " سير أعلام النبلاء " ١٦/ ٢٢٤: من بحور العلم، لكنه معتزلي داعية، وكان من أئمة الحنفية، توفي سنة (٣٦٩ هـ). وانظر أيضاً " ذكر المعتزلة " ص ٦٢ - ٦٣ لابن المرتضى.
(٣) في (ش): من.
(٤) في (ش): من.

<<  <  ج: ص:  >  >>