للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالعجب ممن استخرج لابن الحاجب نفي الاختيار وصريح الجبر من قوله في شرح مقدمة " الكافية " في الإعراب في المفعول به من المنصوبات في قوله: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: ٤٩] أنه يفيد العموم في المخلوقات، وهذا ظن من لم يعرف مذهبهم في الشيء الحقيقي الذي يوصف بأنه مخلوقٌ.

فإن قلت: قول الأشعري: لا ينقطع التكليف بفعلٍ حال حدوثه، وقوله بمقارنة القدرة صريح في التكليف بالمحال.

قلت: كلاَّ، بل فيه أقوى قرينةٍ على أنه ما أراد ذلك، فإنه لو أراد ذلك، وخَلَعَ رِبْقَةَ النظر في التمييز بين الممكن والمحال، لم يقيده بحال حدوثه ولا يشترط قدرةً مقارنةً، ولقال: إنه يصح التكليف بالفعل بعد حدوثه أبداً، ومن غير قدرةٍ أصلاً، ولكن قد اشتهر بين أهل النظر أن العبارة قد تُوهِمُ غير مقصد العالم، لا سيما فيما كَثُرَ غموضه ولَطُفَت دِقَّتُه، ولذلك يكثر اعتراض النُّظَّار للحدود، فلا يكاد تصح عبارة مع صحة المقصود، وربما (١) تعذرت العبارات. بالمرة، وحُكِمَ بالخطأ على كل عبارةٍ كما زعم بعضهم في تحديد العلم.

والذي أحسِبُ أن الأشعري أراد به ما أراد به المعتزلة في التكليف بالمسبَّبَات بعد فعل أسبابها، وبُطلان الاختيار فيها، فإن التكليف قد يُطلَقُ ويراد به تنجيز الفعل، وليس هذا مقصوداً هنا، وقد يطلق ويراد الحكم على الفاعل باستمرار حكم الطاعة والعصيان (٢) من غير طلبٍ لتنجيز الفعل، وهذا قد يُتَصَوَّر وقوع الاختلاف فيه لدقته وغموضه، وقد وقع شيخ المعتزلة أبو هاشم في مثل هذا.

قال الجويني في " البرهان " (٣): مسألة: من تَوسَّط أرضاً مغصوبةً على علم، فهو متعدٍّ، مأمورٌ بالخروج عن الأرض المغصوبة، ثم الذي ذهب إليه أئمتنا أجمعون أنه إذا افتتح الخروج (٤) واشتد أقرب المسالك، وأخذ [فيه]


(١) في (ش): لما، وهو خطأ.
(٢) في (ش): أو العصيان.
(٣) ١/ ٢٩٨ - ٣٠٢.
(٤) " الخروج " سقطت من (أ).

<<  <  ج: ص:  >  >>