للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: مع احتمال الوجهين، يمتنع القطع بتعيُّنِ أحدهما دون الآخر فيمتنع القطع بإرادة يزيد وجميع النواصب والروافض وأمثالهم وقصدهم شرع ذلك، والله أعلم، بل في " الصحيح " ما يدل على أنه دعاء تشريفٍ، وذلك ما ثبت في حديث ابن مسعودٍ المتفق على صحته، وفيه: وذكر عند قوله وعلى عباد الله الصالحين: فإنكم إذا فعلتم ذلك، فقد سلَّمتم على كل عبدٍ لله صالحٍ في السماء والأرض " (١)، فاختياره في التَّشهُّد لتعيين الصالحين بالذكر ونصه عليهم بوصفهم المميِّز لهم عمَّن هو أحوج منهم إلى ذلك من المذنبين من أهلِ الإسلام، دليلٌ إلى ذلك.

ويشبهُه قول الملائكة عليهم السلام مما (٢) حكى الله عنهم: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا} الآية [غافر: ٧].

فإن قلت: الاستغفار لأهل المعاصي من المسلمين جائزٌ عند أهل السنة، فَلِمَ منعت من دخول أهل المعاصي في قول المصلي؟

قلت: لما بينته من تجويز أنه موضع تشريفٍ وتعظيمٍ للمذكور فيه مقروناً برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذريته، فلا يقطع أن يكون هذا المشرَّف المعظَّم هو المُحْدِثُ الذي لعنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قوله: " لعن الله من أحدث حدثاً " وأمثاله مما مضى ذكره، وأما الاستغفار للعُصاة على غير هذا الوجه، فيجوز عند أهل الحديث والفقهاء، ولا يجوز عند بعض الشيعة والمعتزلة.

وذكر الحجج في المسألة مما لم تَعرِض إليه حاجةٌ هنا، ويوضِّح ذلك ما رواه مسلم وأبو داود عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه في قصة رجم ماعزٍ لما أقرَّ بالزِّنى فِراراً من غضب الله، وطلباً لمرضاته ببذل الرُّوح، وفي الحديث


(١) أخرجه أحمد ١/ ٤٣١، والبخاري (٨٣١) و (٨٣٥)، ومسلم (٤٠٢)، وابن حبان (١٩٤٨) و (١٩٥٠)، وانظر تمام تخريجه فيه.
(٢) في (ف): " كما ".

<<  <  ج: ص:  >  >>