للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: وجوب الحكم للفُجَّار بما في أيديهم، كوجوبه للأخيار على سواءٍ في حكم الشريعة.

وثانيهما: إباحة أخذِ الجزية من أهل الكتاب وإحلالها للمسلمين، مع علمِ الله أن أكثر أموالهم أثمان الخمور والخنازير، وأنهم يتعاملون بالربا. ذكره ابن بطال في كتاب الزكاة، في باب: من أعطاه الله شيئاً من غير مسألة ولا إشراف نفسٍ في شرح قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمر: " إذا جاءَك مِنْ هذا المال شيءٌ وأنت غير سائلٍ ولا مُشرفٍ فخُذْهُ " (١).

وذكر أن عموم هذا القول حجةٌ على قبول عطايا الأمراء والظلمة، وفسَّر إشراف النفس بالتعرض، والشَّره، والطمع، مأخوذٌ من: أشرف (٢) الرجل، إذا تطاول ومد بصره، ومنه الموضع المشرف: المرتفع.

وحكى كراهة أموال الأمراء وقبول صلاتهم عن الثوري، ومحمد بن واسعٍ، وأحمد بن حنبل، ومسروق، وعبد الله بن المبارك، وابن سيرين، وأكثرهم للاحتياط لا للتحريم، ومنهم من حرمها.

وحجة من حرمها حديث الشبهات (٣)، وقد اختار الخطابي في شرحه الحديث في " معالم السنن " (٤) الجواز، وكذلك ابن عبد البر، وحكى النواوي (٥) في الشبهات ثلاثة أقوال: الحِلُّ، والتحريم، والكراهة، وهو المختار، لأنه ظاهر الحديث، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل الحلال بيناً والحرام كذلك، وجعلها قسماً ثالثاً، وشبَّهها بما حول الحمى لا بالحمى، وجعل العِلَّة في تحريمها خوف


(١) أخرجه أحمد ١/ ٥٢، والبخاري (١٤٧٣)، ومسلم (١٠٤٥)، وابن حبان (٣٤٠٣).
(٢) في (ش): " إشراف ".
(٣) هو حديث النعمان بن بشير: " إن الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات ... "، وقد تقدم تخريجه ٢/ ٣٣٥ - ٣٣٦.
(٤) ٣/ ٥٦.
(٥) في " شرح مسلم " ١١/ ٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>