وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معروفاً بين أرحامه من الكفار والمسلمين.
الفائدة الثانية: في الإشارة إلى من فعل شيئاً من ذلك ومن لم يفعله، وهذه الفائدة تحتمل التوسيع الكثير، ولكن لا فائدة فيه، ولا طريق إليه، فالاستقصاء لذلك يحتاج إلى استحضار كثيرٍ من كتب التواريخ، والإشارة إلى الجُملة تكفي مع ذكر عيون ذلك إن شاء الله تعالى.
فأمَّا من لم يقع منه شيءٌ من ذلك، فهم النادر من خواصِّ أهلِ الزهادة، وأفرادهم الذين فرُّوا بأنفسهم من الفِتَنِ، وصبروا على خشونة العيش، ومفارقة الوطن، وأكثر من اشتهر ذلك عنه، وصح تنزهه من ذلك من أئمة العترة عليهم السلام الإمامان الزاهدان: القاسم والهادي وكثيرٌ من أهل البيت عليهم السلام، ولذلك سبقا كثيراً مِمَّن قبلهما، وفاتا من بعدهما، ورجحا في ميزان التفضيل على جلة الأئمة، وتميَّزا بالجلالة العظيمة عند عُلماء الأمة.
وفي الرواية المشهورة: أن المأمون بَذَلَ للقاسم عليه السلام وَقْرَ سبعة أبغُل ذهباً، ويبتديه بكتابٍ أو يجيبُه عن كتابٍ، فامتنع القاسم عليه السلام من ذلك، ولامته زوجته على ذلك، وله عليه السلام أشعارٌ في هذا المعنى، منها قوله عليه السلام:
تقول التي أنا رِدْءٌ لها ... وقَاءَ الحوادث دُون الرَّدى
ألسْتَ ترى المال منهله ... مخارِم أفواهها باللُّهى
فقلتُ لها وهي لوَّامَةٌ ... وفي عيشها لو صَحَتْ ما كفى
كفافُ امرىء قانعٍ قوتُه ... ومن يَرْضَ بالقُوتِ نَالَ الغِنَى