للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مع المفارقين، وخذلته مع الخاذلين، وخُنْتَه مع الخائنين، فلا ابن عمك آسَيْتَ، ولا الأمانة أديت، وكأنك لم تكن الله تريد بجهادك، وكأنك لم تكن على بينةٍ من ربك، وكأنك إنما كنتَ تَكِيدُ هذه الأمة عن دنياهم، وتنوي غِرَّتهم عن فيْئِهم، فلما أمكنتك الشدة في خيانة الأمة، أسرَعْتَ الكرَّة، وعاجلت الوثبة، واختطفت ما قَدَرْتَ عليه من أموالهم المصونة لأراملهم وأيتامهم اختطاف الذئب الأزَلِّ (١) دامية المِعْزى الكسيرة، فحملته إلى الحجاز رَحْبَ الصدر بجملة، غير متأثِّمٍ من أخذه، كأنك -لا أبا لغيرك- حدرت إلى أهلك تراثك من أبيك وأُمِّك، فسبحان الله! أما تؤمن بالمعاد؟ أما تخاف نقاش الحساب؟ أيها المعدود كان عندنا من ذوي الألباب، كيف تُسيغ طعاماً وشراباً وأنت تعلم أنك تأكل حراماً، وتشرب حراماً، وتبتاع الإماء، وتَنْكِحُ النساء من مال اليتامى والمساكين والمؤمنين والمجاهدين، الذين أفاء الله عليهم هذه الأموال، وأحرز بهم هذه البلاد.

فاتق الله واردُد إلى هؤلاء القوم أموالهم، فإنك إن لم تفعل، ثم أمكنني الله منك، لأُعْذِرَنَّ إلى الله فيك، أو لأضربنَّك بسيفي الذي ما ضربت به أحداً إلا دخل النار. والله لو أن الحسن والحسين فعلا مثل الذي فعلت، ما كانت لهما عندي هوادةٌ، ولا ظفِرا مني بإرادةٍ حتى آخذ الحق منهما، وأُزيح الباطل عن مظلمتهما، وأقسم بالله رب العالمين ما يسرني أن ما أخذت من أموالهم حلال لي أتركه ميراثاً لمن بعدي، فَضَحِّ رويداً (٢) وكأنك قد بلغت المدى [ودُفِنت


= " القاموس ": والفنك: العجب والتعدي واللجاج والغلبة والكذب. وشفرت الأمة: خلت من الخير، والمِجَنُّ: الترس، والمعنى: كنت معه فصرت عليه، وهو مثل يضرب لمن يخالف ما عهد فيه.
(١) هو الخفيف الوَرِكين، وذلك أشد لعدوه، وأسرع لوثبه، وإن اتفق أن تكون شاة من المِعزى كثيرة ودامية أيضاً كان الذئب على اختطافها أقدر.
(٢) كلمة تقال لمن يؤمر بالتؤدة والأناة والسكون، وأصلها أن العرب كانوا يسيرون في =

<<  <  ج: ص:  >  >>