للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبالجملة، فهذا بابٌ واسعٌ، فقد أنكرت معتزلة بغدادٍ الظواهر المفهومة من القرآن الدالة على أن الله سميعٌ بصيرٌ، وتأولوا ذلك على معنى أنه عالمٌ فقط، وفي تأويلهم لذلك بعدٌ. وقد ذهب جماعةٌ من أهل العدل والتوحيد كالشيخ أبي الحسين وأصحابه إلى أن إرادة الله تعالى هي علمه لا سوى، وهذا أيضاً بعيدٌ، وقدِ اختاره الفقيه عبد الله بن زيدٍ، وفي السمع ما يصعب تأويله على هذا المعنى، مثل قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} [البقرة: ٨٥]، فإنه يبعد أن يكون معناه: يعلم الله بكم اليسر، وهذا القبيل كثيرٌ، حتى إن طائفةً من المعتزلة أنكروا وجُود الشيطان على الحقيقة، وادعوا أن جميع ما في القرآن من ذكره مجازٌ، والمراد به الشهوة أو نحو ذلك وفي السمع ما يصعب تأويله على هذا، مثل قوله تعالى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف: ٢٧]، ومثل قصته مع آدم عليه السلام، وخطابه له، ومقاسمته، وسؤاله للإنظار من الله تعالى، ونحو ذلك.

وفي سلفنا رحمهم الله من كان يؤثر عنه تأويل العرش والكرسي بالمُلك (١)، وفي القرآن ما يصعب تأويله على هذا المعنى، مثل قوله تعالى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: ٧]، وقوله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة: ١٧]، ونحو ذلك.

وقد فسر الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان عليه السلام آية النور في كتابه " الحكمة الدُّرِّية " (٢) بتفسيرٍ بعيدٍ، فأول الزيت بالعقل، والنار


(١) جاء في نسخة (ش) بخط الإمام الشوكاني ما نصه: هو الهادي عليه السلام، وله كتاب سماه كتاب " العرش والكرسي "، وقفت عليه ...
قلت: الإمام الهادي: هو يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي، وقد تقدمت ترجمته ٣/ ٤٥٨. وكتابه هذا توجد منه نسخة خطية في مكتبة الجامع الكبير بصنعاء ضمن المجموع رقم ٢٣٠. انظر فهرس المكتبة ص ٨١٠.
(٢) واسمه الكامل: " الحكمة الدرية والدلالة النبوية ". منه نسخة خطية في المكتبة الغربية بالجامع الكبير بصنعاء. انظر الفهرس ص ١٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>