للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي روايةٍ عن أنسٍ أن نبي الله ومعاذ بن جبلٍ رديفه على الرَّحْل، قال: " يا معاذ "، قلت: لبيك وسعديك ثلاثاً، قال: " ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله إلاَّ حرَّمه الله على النار ". قال: يا رسول الله: أفلا أخبرُ الناس فيستبشرون؟ قال: " إذاً يتَّكِلُوا " فأخبر بها معاذٌ عند موته تأثُّماً.

أخرجه البخاري ومسلم (١). وهذه الرواية الأخيرة جعلها الحميدي من مسند أنس، فيكون حديثاًً ثانياً.

فإنه لما قال له: أفلا أُبَشِّرُ الناس؟ قال: " إذاً يتَّكلوا "، ولم يقل له: إنه ليس على ظاهره، ولا بشارة فيه على الحقيقة، وإنما هو بشرط التوبة، أو بشرط الاستقامة، ولو فهم معاذ أنه منسوخٌ لم يُخبر به عند موته تأثُّماً أيضاً.

وكذلك حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره من لقيه يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه أن يُبَشِّرَهُ بالجنة، فقال عمر للنبي - صلى الله عليه وسلم -: لا تفعل، فإني أخشى أن يتَّكِلَ الناس عليها، فخلِّهِمْ يعملون، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " فخلِّهم " رواه مسلم (٢).

وفي حديث عُبادة بن الصامت المتفق على صحته أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بايعهم ليلة العقبة " على أن لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، وقرأ الآية الذي نزلت على النساء: {إذا جاءك المؤمنات} [الممتحنة: ١١]، فمن وفّى منكم (٣)، فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً، فعوقب به، فهو كفَّارَةٌ له، ومن أصاب من ذلك شيئاً (٤)، فستره الله تبارك وتعالى عليه فهو إلى الله تبارك وتعالى: إن شاء غفر له، وإن شاء عذَّبه ". رواه البخاري ومسلم وأحمد بن حنبل في " المسند " وغيرهم (٥)، وهو أول حديثٍ


(١) تقدم تخريجه ٣/ ٣٥٠.
(٢) برقم (٣١)، وأخرجه البيهقي في " الاعتقاد " ص ٣٦. وانظر ٣/ ٣٥١.
(٣) في (ش): " منكن "، وهو خطأ.
(٤) " شيئاً " ساقطة من (ش).
(٥) أخرجه أحمد ٥/ ٣١٤، والبخاري (١٨) و (٣٨٩٣) و (٤٨٩٤) و (٦٧٨٤)، ومسلم =

<<  <  ج: ص:  >  >>