للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القرآن الكريم في قوله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: ٣٢].

فالخاصُّ هنا عاضِدٌ لمعنى العام، لا ناقِضٌ له، لأنهما كِلَيْهما وَرَدا لتقرير قواعد العدل والتناصف، وكذا قوله تعالى: {وأنْ لَيْسَ للإنسان إلاَّ ما سعى} [النجم: ٣٩] عمومٌ مخصوص بالأجر على الآلام المتفق عليه (١)، والمعنى: ليس له ما تمنَّى وتحكَّم وتأتَّى، وإنما له ما استحق بعمله، وأما ما يتفضَّل به (٢) عليه من مغفرة، أو موهبةٍ، فليس يقال: إنه له، ولا يدخل في هذا، لأن اللام تقتضي الملك، وذلك فضل الله يُؤتيه من يشاء، لا مانع لما أعطى، ولا مُعْطِيَ لما منع، سبحانه وتعالى.

الوجه الثاني: أن الغرض بالفداء صدقُ الوعيد مع العفو، وعدم الخُلْفِ كما أشار إليه قوله تعالى: {وفديناه بذبحٍ عظيم} [الصافات: ١٠٧]، فإنه لا معنى له إلاَّ أن ذبحه يقوم مقام ذبح الذبيح عليه السلام، ومنه فداء عبد الله بن عبد المطلب بمئةٍ من الإبل، كما هو معروف في السيرة النبوية، ولا يُوصَفُ بالخلف من وَعَدَ بدراهم، فأدّى ما يَعْدِلُهَا دنانير ونحو ذلك.

وقد فُسِّرَ العدل بذلك في قوله تعالى فيمن لا يستحق الشفاعة: {ولا يُقْبَلُ


= (٢٦٧٣)، والنسائي ٧/ ٨٢ من حديث ابن مسعود.
(١) ورد أكثر من حديث بهذا المعنى، منها حديث عائشة: " ما من مسلمٍ يُشاكُ شوكة فما فوقها إلا رفَعَه الله بها درجة، وحطَّ بها عنه خطيئةً ".
أخرجه البخاري (٥٦٤٩)، ومسلم (٢٥٧٢)، وانظر " صحيح ابن حبان " (٢٩٠٦) و (٢٩١٩) و (٢٩٢٥).
وحديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري: " لا يصيب المرءَ المؤمن من نَصَبٍ ولا وَصَبٍ ولا همٍّ ولا حُزْنٍ ولا غَمٍّ ولا أذىً حتى الشوكة يُشاكُها إلاَّ كفَّرَ الله عنه بها خطاياه ". أخرجه البخاري (٥٦٤١) و (٥٦٤٢)، ومسلم (٢٥٧٣). وانظر " صحيح ابن حبان " (٢٠٩٥).
(٢) ساقطة من (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>