يخافُ الخلود كالصحيح الذي لا يخاف الموت فجأة لندوره، لكنه إذا انهمك في الشهوات المضرة، فإنه يخاف المرض، ثم إذا مرض خاف الموت، فكذلك العاصي المسلم يخاف سوء الخاتمة، ثم إذا خُتِمَ له بذلك وَجَبَ الخلود في النار، فالمعاصي للإيمان كالمأكولات المُضرة للأبدان. إلى آخر كلامه في ذلك، وهو كلامٌ بليغٌ مجوَّد ينبغي من كل مسلم معرفته، والعمل بمقتضاه، نسأل الله التوفيق.
وعن علي عليه السلام: أن عابداً زنى بامرأةٍ، فخاف الفضيحة، فقتلها فافتضح، وأخذوه، فجاءه الشيطان فقال: اسجُدْ لي أُنجيك، فسجَدَ له وفيه نزلت:{كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ}[الحشر: ١٦] صححه الحاكم في تفسير الآية (١).
القول السادس: قول المعتزلة: إن الآية مخصوصة متأولة بغير التائب، وغير من جَدَّد الإسلام بعد القتل، وغير قاتل المؤمن في القصاص، وحد الزنى خصوصاً بعد التوبة فيهما، وذلك لأن الآية لم تَنُصَّ علي التعدي مع التعمد ولا بد منه، ومن تعمد وليس بمتعدٍّ، فلا وعيد عليه، وإن وعيد القاتل بالعذاب والخلود إنما هو بسبب حق الله، لا بسبب حق المقتول، فإنه لا يستحق به الخلود، بل ولا العذاب، لأنه يَجِبُ عندهم على الله أن لا يُميت القاتل حتى يُعِدَّ له من أعواضه ما يقضي حق المقتول، ويوفيه ولا يخاف الظالم عندهم من المظلوم في الآخرة البتة من جهة حقوق المخلوقين، لكن من جهة حق الله تعالى، فإذا ثَبَتَ أنه عمومٌ مخصوصٌ فقد اشتد الخلاف فيه في أمرين خفيَّيْن ظنيين:
أحدهما: هل هو حقيقة في الباقي أم مجاز، وفيه ثمانية أقوال، وقول الجمهور منها: إنه مجاز لوجهين.
أحدهما: أنه لو كان حقيقة في الباقي بعد التخصيص كما كان قبله، لكان