للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه الصحيفة (١). فهذا مع أنَّه عليه السلامُ بحرُ العلم الزخار، والمخصوص به (٢) من بين الصحابة الأخيار، فلم (٣) يشتغِل بنشر علمه وكتابته وتأليفه والتدريس فيه مع فراغه في أيامِ الخُلَفَاءِ الثلاثة، بل اشتغل بما كانوا عليه في زمان رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مِن التلاوة والعبادة، ومراقبة النفوس، وخشونة العيش، وخشونة الملبس كما ذلك معروفٌ من سيرته عليه السلام وما ذلك إِلا إيثاراً لترك ما يزيدُ على الكفاية من العلم، وكراهةِ دعاء الناس إلى ما لا يحتاجون إليه في أمرِ الدين، واقتداءً برسول الله -صلى الله عليه وسلم - حين أقام عشرَ سنين قبلَ الهجرة، وقبل الشغل بالجهاد، ومعه أصحابُه من السابقين الأولين، فلم يشتغل عليه السَّلامُ في تلك المدة بغير التلاوة، وملازمة الذكر، ولم يأمُرْ مَنْ آمن به بأكثرَ من ذلك، ولم يُلزمهم بعد معرفة ما يجب عليهم معرفتُه من أمر الإِسلام بالتدرب في النظر والمناظرة، ولا بتقدير الحوادث، وتقدير سائل يسأل عنها، وتحرير الجواب عنه متى سأل عنها ونحو ذلك مما اشتغل به المتأخرون عما كان عليه المتقدمون، بل صحَّ عنه صلوات الله عليه النهي عن السُّؤال عن (٤) الحرام حتى ينص عليه، وفي الحديث الصحيح " إنَّما أهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُم كَثْرةُ مَسَائِلِهِم واختلافهم على أنْبِيَائِهِم " (٥)، وقد قيل: إنَّه (٦) السؤال المذمُومُ في النهي عن كثرة القيلِ والقالِ بكثرة السؤال بقرينة تخصيص النهي بالكثرة.

ومثلُ حالِ عليٍّ عليه السلامُ كانت أحوالُ أهلِ بيته عليهم السلام


(١) تقدم تخريجه في الجزء الأول الصفحة ٢٤١.
(٢) ساقطة من (ب).
(٣) في (ب): ولم.
(٤) " عن " لم ترد في (ب).
(٥) تقدم تخريجه في الجزء الأول الصفحة ٢١٩.
(٦) في (ب): إن.

<<  <  ج: ص:  >  >>