للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن عبد البر: وكان أول ما ظهر من حذق ابن معمر، أن تقديمه إلى القضاء وافق ليلة فطر، وأضحى فمشى صبيحتها إلى المصلى ليقيم الصلاة، وكانت الصلاة للقاضى، وكان إبراهيم يومئذ أمر أن تقام للإمام عنزة يصلى إليها، إذ لم يكن للمصلى يومئذ محراب، فإذا بأهل النباهة واليقظة من ذوى الهيئات قد احتوشوا العنزة، ليتعرفوا خطبته، فلما جاء ورآهم، فهم الأمر، فكادهم بأن قال لقومه: إنى أرى الناس قد ازدحموا حول العنزة، فقدموها إلى الفضاء ليستوسعوا.

فقدموها، وطاش أنشاط الناس وأخفاؤهم، فاصطفوا قربها، وتثاقل أولو الهيئات عن ذلك، ومكثوا مكانهم، فحصل قرب الشيخ من لم تكن عليه منه مئونة، وقطع بأولائك.

وذكر عن عثمان بن سعيد الزاهد قال: لما احتضر يحيى بن معمر بأشبيلية، قال لمولى له من أهل الصلاح: أقسم عليك بالله أجل الأقسام، إذا أنا مت إلا ما ذهبت ليحيى بن يحيى، فقل له: يقول لك ابن معمر: "وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ" (١٨٠).

ففعل ذلك، فبكى يحيى وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ما أظنه إلا خدعنا في الشيخ، وسيء بيننا وبينه.

ثم استغفر الله مليا، ودعا له.

وذكر ابن حارث أنه ولى القضاء بقرطبة مرتين، إحداهما سنة تسع ومائتين، والأخرى بعد ذلك.

قال ابن الفرضي: وهو الصحيح.

قال ابن أبي دليم: وتوفى سنة ست وعشرين ومائتين.


(١٨٠) الآية ٢٢٧ من سورة الشعراء.