وفي كبر سنّه يقول، من قصيدة طويلة:
دُعيت معلماً إذ صرت شيخاً ... وأيام الشبيبة كنت بورا
لئن كان المشيب أتى نذيراً ... فإني سوف أدعوه بشيرا
فأهلاً بالمشيب لنا لباساً ... وقاراً نستزيد به وقورا
وجزت بتسعة سبعين عاماً ... وقد ضمنت أصحابي القبورا
وصرت كراكع يمشي دبيباً ... وأصبح خاسياً بصري حسيرا
وألقى الدهر وقراً فوق أذني ... وفي بدني وفي نطقي فتورا
وفي فقه الفقيه أبي سعيد ... رأيت الحق متضحاً منيرا
لزمت بناءه عشرين عاماً ... أعاديه وأغشاه هجيرا
ومن شعره في هذا المعنى:
أرى البرق من نحو القريب توقدا ... تغيب طوراً لمعه وترددا
أفق أيها الباكي المسائل منزلاً ... تشتت منه أهله متبردا
كفى عجباً أنا جهلنا ما خلا ... ملاعب ولدان ونوماً ومرقدا
ألفت به غيرا إذا هي ناهد ... وإذ كنت مرموق الزيارة أمردا
وكنت قريباً إذا دعتني ابن عمها ... فلما دعتني عمها كنت مبعدا
وكان نساء الحي يهوين طلعتي ... ليالي كان الشّعر أرجل أسودا
فلما اكتسيت الشيب صرت الى الضنى ... وأصلحت من شأني الذي كان مفسدا
لبست به ثوب الوقار وكلما ... بليت وأبليت الشباب تجددا
جزى الله طول العمر خيراً فإنه ... هداني الى التقوى ودل وأرشدا
ولما نحا عمري ثمانين حجة ... وأيقنت أني قد قربت من المدى
تركت تكاليف الحياة لأهلها ... وجانبتها طوعاً فجانبني الردى
رأيت حليم القوم فيهم مقدّماً ... ومن نال علماً نال جاهاً وسؤددا
ويحيا من الزلفى غداً في معاده ... بأضعاف ما يحيا الذي قد تعبدا
أراني بحمد الله في المال زاهداً ... وفي شرف الدنيا وفي العز أزهدا
فخليت من دنياي إلا ثلاثة ... دفاتر من علم وبيتاً ومسجدا
غنيت بها عن كل شيء حويته ... وصرت به أغنى وأفتى وأسعدا