قال بعضهم: جئت إلى عيسى، فوجدناه جالسا على دكان في المعصرة، وخادم له يرد الزيتون، والدابة تطحن، وهو يقرأ حديث رسول الله ﷺ من صدره، فقيل له في ذلك، فقال: أعرض حديثى لئلا أنساه.
قال ابن حمود السدوسي: كلفني ابن مسكين شيئًا في خصومة، فقلت: الله بيني وبينه.
فأتاني في منامي آت، فقال لي: لا تدع على الرجل الصالح.
واستعفى من القضاء، فعوفي، فرجع إلى منزله بالساحل، إلى أن مات، فأصابه داء في ساقه فلم يزل ملازما بيته.
ومات في سنة خمس وتسعين ومائتين.
مولده سنة أربع عشرة ومائة.
وكان إذا تحدث عن أيام قضائه يقول: كنت في بليتي، وكنت أيام تلك المحنة.
ولما أناب الأمير إبراهيم، وتخلى عن الملك، وتوجه للجهاد، قصده عيسى بن مسكين فقال له: إن الله عاناك مما كنت فيه، فأعفنى مما أدخلتني فيه، فقد كبرت سنى، وضعف بدنى.
فعافاه، فخرج إلى ضيعته.
فقال إبراهيم: ما أعجب حاله! هو في آخر أمره مثله في أوله.
فكانت ولايته ثمان سنين وأحد عشر شهرًا.
ولما بلغت وفاته القيروان، قال رجل منهم: سودوا وجوهكم وجدا عليه
وقال آخر: ما على أفريقية! يجدون العلم بعد عيسى، ولكن لا يجدون مثل ورعه وزهده وأدبه (٣٨٨).