للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبو عبد الملك بن عبد البر: قال ابن خالد: ما رأيت أزهد منه، ولا أوقر مجلسا، كان لا يذكر في مجلسه شيء من أمور الدنيا، إلا القرآن والعلم، لا يقدر أحد أن يتحدث في مجلسه، ولا يتبسم الناس في مجلسه، سواء أولاد الملوك وغيرهم، يقعد حيث انتهى به المجلس، شاهدته يوما وقد جاءه صاحب رسائل من قبل الأمير، يسأله في مسألة، فسلم، فرد الناس عليه ردا خفيفا، ثم وقف علينا لا يرفع إليه أحد رأسه، حتى جعل يقول: هنا أبو إسحاق؟

فجعلنا نشير إليه، ولا يجسر أحد منا ينطق.

فلما رأى ذلك، قعد حتى فرغ المجلس، ثم قام متكئا على سيفه، وسأله عن مسألته، فرد عليه وانصرف.

وكنا يوما عنده، ومعنا رجل من المعلمين، من الأخيار، فتحدث إلى رجل بجنبه، ثم تبسم، فنظر إليه أبو إسحاق، ثم قال: قم.

فتوقف.

فقال: والله لتقومن.

فنزل، فكلمنا الشيخ وقلنا: رجل من أهل الخير. واعتذرنا عنه.

فقام وأخرج طعاما كفر به عن يمينه، ثم أعاده إلى مجلسه.

وكان لا يعرف أحدا من أهل الخطط، لانقباضه عنهم.

وأدخله الأمير المنذر مرتين على نفسه لإشهاد، وضمه لتفريق صدقاته، فلما رأى أبو إسحاق انتشابه معه، خرج إلى الثغر خرجته التي مات فيها.

قال بعض أصحابه: كنا نسمع عنده في غرفة له، إذ صعدت امرأة عجوز، تسأله أن يعينها في فداء ولد مأسور لها بيد العدو، فأمر لها الشيخ بكسرة خبز، وقال لها: انصرفى، فينطلق ابنك إن شاء الله - بعد أن سألها عن اسمه.