قال ابن أيمن: كان أبو معاوية من بني زياد، مسكنه برية، وقدم إلى قرطبة بسبب الفتنة، فأقام بها إلى أن ولى، وكان من أهل الرواية، لا بأس به، سمع منه، وكتب عنه، وكان أحمد بن خالد ومحمد بن ميسور يصفانه بالخير والفضل، غير أن أحمد يذكر أن فيه غفلة.
قال: وسمعته يقول في بعض حديثه عن ابن بكير: (يافت) باثنتين. فأنكرناه، فقال: أمضوه.
قلت لابن بكير:(يافت) بالتاء؟
قال: نعم من غدوه إلى الليل.
قال ابن عبد البر: كان رجلا صالحا عالما، روى كثيرا، إلا أنه لم يكن من أهل الضبط والمعرفة بما روى، وولى الصلاة مع القضاء، وكانت في خطبته رقة تستميل القلوب، وكان مداره في شواره على بقى بن مخلد، وقد ولى قضاء كورة رية بلده، أيام الأمير محمد، وكانت به غفلة تخل به.
ذكر ابن غالب الصفار، أنه واظب مجلسه في قضية "أيدون" الخصى، وتكرر، قال: فلا يزال يقول لي متى رآني: من أنت يرحمك الله؟
كما كان أول مرة، فأسمى له، وأتعرف، فإذا عاد سألني، كأن لم يعرفني.
وذكر غيره، أن أبا معاوية قعد أول مجالسه في الجامع، فجاءه سليمان بن أسود، المعزول عن القضاء قبله، بديوانه، فسلمه إليه، وقال له: الحمد لله الذي جعل في أثرى مثلك.
فلما أن قام سليمان، تلقاه رجل وقاح من قريش، ولببه برادئه، وقال: الحمد لله الذي جلا الظلمة وأخمد الجور بعزلك، أجبنى إلى القاضي.
فرجع معه عامدا إليه، وقال له: أنا اليوم معزول، وأنت في الولاية، وما فعلت بي الآن فستكافى بمثله غدا.