قال الحاكي: فخرجت من عنده الى داري، فبعد ساعة خرجت. فإذا الناس يقولون: مات فلان. فجئت الى الشيخ، فأخبرته. فقال: قد كفينا ما نحذر، والحمد لله. ونقل إليه، مقال اسماعيل في خطبته: أن حسيناً، يعني الأعمى الشاب الشيعي، جاء بنقطة من قلّة وهذه القلّة بين أظهركم - يعني نفسه - فقال أبو إسحاق: عجب من نقطة من قلة خرقت المشرق والمغرب، اللهم اكسر القلة. فمات اسماعيل بعد ذلك بأيام. قال خادمه أبو سعيد: كنت ليلة عنده، فحبسني بحديثه، الى أن ضرب البوق. وكانت علامة أن لا يمشي أحد إلا من خرج لفساد. فمن وُجد بعد ذلك ضربت عنقه. فلما فرغ من حديثه، سلمت لأخرج. فقالت لي زوجته: قد ضرب
البوق. فقال لي الشيخ: اجلس. فقلت: الوالدة تظن أني أصبت. فقال لي: اصبر يا أخي. فوقفني بين يديه، وقرأ علي، وأقبل يشير عن جهاتي، وسمعته آخراً يقرأ بيَس. ثم دعا، وقال لي: حفظك الله بين يديك، وخلفك، ويمينك، وشمالك، وفوقك، وتحتك. فخرجت فمررت بساع وكلاب وعساسة في غير موضع. فما نبح علي كلب، ولا كلمني أحد، حتى وصلت داري. قال: وكان لبعضهم غلام أصيب ببصره، فسئل الشيخ له في الدعاء، فقال: امضوا يكن خيراً إن شاء الله. فلما أكمل تلك الليلة، أبصر الغلام. قال أبو محمد: وقعت له هرة في البئر. فدخلنا عليه فوجدناه واقفاً وهو يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله. فسألناه فما أخبرنا حتى ضرب الباب، فدخل إنسان، فجرد ثيابه، وائتزر بمئزر، وسلم. فقال له: لك حاجة، فأخبره، فنزل في البئر، فأخرجها. وذهب. فقلت له من هذا؟ قال: لا أدري. قلت: أرسلت فيه؟ قال: لا. قالوا: وأخذ الحاشد رجلاً فقيراً، فحبسه وقيده، فمضى ابنه الى أبي إسحاق، فأخبره، فقال له: غداً يخرج أبوك إن شاء الله تعالى. قال: فأنا في الليل، إذ أسمع صائحاً يقول: يخرج فلان، وتحل قيوده. ومضى بي الى الحاشد، فقال: امض لا سبيل عليك. فقلت: سألتك بالله ما السبب؟ قال: جاءني الليلة فارس بيده حربة. وقال لي: قم أخرج فلاناً، وإلا نحرتك بها. قال القابسي: كنت عند أبي إسحاق السبائي، إذ أتاه رجل مذعور، فقال له: إن السلطان أمر بنهب طعامي، وعبيدي وماشيتي، وقد خرج رسوله لذلك. فقال له الشيخ: كفاكه الله. فخرج من عنده، فإذا بقوم من أهل المنزل، فسألهم. فقالوا: لما وصل رسول السلطان لمنزلك وفتح المطمر، أتاه آت فنهاه أن يتعرض لشيء، قال: واختلف رجلان أيهما أفضل: مروان الزاهد أو السبائي. فدخلا عليه. فوجداه في الصلاة. فلما أكملها، حوّل وجهه، وقال: ما بال قوم قعدوا بلا شغل، فلان أفضل من فلان، أما لهم في أنفسهم شغل؟ قال أبو سعيد خادمه: اشتريت سلعة، وأشركت فيها الشيخ، فربحت فيها ربحاً. فجالت نفسي وأدركتني رغبة. فقلت: قد كان الشيخ مستغنياً عنها، وأنا ذو عيال، ثم حملت الى الشيخ حصته. فلما رآني تبسم، وقال: الناس يجولون على إخوانهم، ويتّجرون فيما ابتدأوه من الجهل. امض بها. فأخذني أمر، وقلت: لا أفعل. ثم قلت له: هذا أمر ما علمه إلا الله عز وجل. فقال لي: للناس رؤى ومنامات. ودخل عليه في جملة الناس رجل لا يعرفه، من المشارقة. فلما سلم ودخل، رفع الشيخ رأسه، وقد احمر وجهه، وقام شعره. وقال: الشيطان في داري، ثلاث مرات، ففر المشرقي. وقال السبائي رضي الله تعالى عنه: قمت بين أبواب بيتي، فسمعت حساً دخل من الباب فضربت الأرض بكفي، وعيني مغلقة. وأنا يقظان. فذهب ناحية الجبانة. وأنا أسمعه يقول: ما ندعُ أحداً يقربك، لا نائماً ولا يقظاناً. رحمه الله تعالى. البوق. فقال لي الشيخ: اجلس. فقلت: الوالدة تظن أني أصبت. فقال لي: اصبر يا أخي. فوقفني بين يديه، وقرأ علي، وأقبل يشير عن جهاتي، وسمعته آخراً يقرأ بيَس. ثم دعا، وقال لي: حفظك الله بين يديك، وخلفك، ويمينك، وشمالك، وفوقك، وتحتك.