للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القيامة أنعم الناس في الدنيا، وأشدهم بلاء، فيغمس المتنعم [١] في نهر من أنهار جهنم، ثم يخرج منه فيقال له: هل رأيت خيرا قط؟ فيقول: لا، ما رأيت خيرا قط، ويؤتى بالمبتلى فيغمس في نهر من أنهار الجنة ثم يخرج فيقال له: هل رأيت بؤسا قط؟ فيقول: لا، ما رأيت بؤسا قط.

وحشد أمثال هذا وطول وزاد، فبكى، وأبكى الناس [٢]، حتى قام في الجامع شبه المأتم من البكاء والشهيق.

قال ابن إدريس: وقد [٣] أبلست، وامتلأت غيضا، فلا أدري أكثر ما قال، وخفت أن يظن الناصر أنس لم أؤد الرسالة، فلما تمت الصلاة ودخل الناصر إلى مكانه بالساباط، وأذن للوزراء فدخلوا - وأنا معهم - ودعا [٤] بصاحب الصلاة، استربت، فلما وقعت عينه عليه، بش له [٥] ورفع منزلته، فسري عني، فأقعده الناصر في مقعده، وأقبل يثنى عليه ويكبر مشهده، وأنه ما شهد قط مثله، وأنه يرجو بركته. لما أدركه من الخشوع والبكاء والندم، وأنه متقرب إلى الله بألف دينار من طيب ماله - شكرا لحضور هذا المشهد، وأنه يرسل بها إلى ابن [٦] المشاط يجعلها حيث يرى من سبيل [٧] الخير.

وانصرف عنه، فوصل إليه ابن إدريس الوزير آخر النهار بها وقال له: كنت أحوط لدينك، فكرم الله مقامك.

فقال له ابن المشاط: يا وزير! اعمل ما شئت - ويكون عملك لله - فلن ترى والله [٨] إلا خيرا ضمانا عليه.


[١] المتنعم، ط م - أ.
[٢] وأبكى الناس، أم. وبكى الناس: ط.
[٣] وقد: أ ط - م.
[٤] ودعا: أط، فدعا، م.
[٥] بش له: ط م. سر به: أ.
[٦] لابن أط. إلى ابن: م.
[٧] من سبل، أط. في سبيل، م.
[٨] والله: أط - م.