للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان رياح بن يزيد يأتى كل جمعة الى ابن غانم، فيدعو له، وكان نحيلا دقيق العروق، فجعل يومًا يدعو، فاستضحك ابن غانم، وتمادى رياح في الدعاء وابن غانم فى الضحك، حتى نهض رياح، فعذل ابن غانم جلساؤه فى ذلك، وقالوا له: مثل رياح يضحك عليه؟

فقال لهم ابن غانم: أمسكوا عنى. انما غمى أن العدو لما علم ما نحن فيه من الخير، أراد أن يقطعه بما رأيتم، أو نحوه؛

فلما كان الجمعة، جاء رياح فأخذ فى الدعاء، وهجم على ابن غانم من الرقة والخشوع أكثر ما كان منه، فلما قضى دعاءه قال له ابن غانم: جزاك الله خيرًا يا أبا يزيد؛

فقال له رياح: قد علمت أن الذى كان منك انما حركك عليه العدو، ليقطع ما نحن فيه من الخير.

***

ومر يومًا بالسوق، والبهلول بن راشد يشترى لحمًا من جزار، فنزل ابن غانم عن دابته، وعانقه وقرب اليه دابته تعظيمًا له، فامتنع البهلول، فأقسم عليه ابن غانم، فقال له: اني اشتريت لحمًا؛

قال: أحمله لك؛

فقال البهلول: اني أجلك أن تمشى راجلا؛

فقال: أركب خلفك؛

فركب البهلول على السرج، وركب القاضي خلفه على كفل الدابة، وقد حمل اللحم، فشقا السماط حتى وصلا الى دار البهلول، فعجب الناس من تواضعه وشرفه.