فكان الحارث يوقف الأصم كل يوم، فيضربه عشرين سوطاً، ليخرج ما وجب عليه من الأموال. أقام على ذلك أياماً. فقال بعضهم للحارث: إنه قبيح بالقاضي أن يتولى مثل ذلك. فخلى عنه. وألقيت إليه سحابة فيها مكتوب ميزان حراني، وصنجة ناقصة. فلما قرأها، استبدل بكتّابه وأعوانه غيرهم. وكان كاتب الحارث، أبو إسحاق القسطال. وعلى مسائله عمر ويزيد، أبناء يوسف بن عمر. وقال أبو عمر الكندي: وحكم الحارث في حُبسٍ بمذهبه، بمذهب مالك بإخراج أولاد البنات منه. فشكى أصحابه ذلك إلى المتوكل، فأفتى أهل العراق على مذهبهم وخطأوا الحارث، ونقصت القضية فاستعفى الحارث، إذ ذاك. فأعفي. وكان في كتاب استعفائه: انتهى إلى أمير المؤمنين، أن كتاباً وصل باستعفائك فيما تقلدت من القضاء بمصر. فأمر أيده الله بإجابتك إلى ذلك وإعفائك فيما تقلدت منه، إسعافاً لك فيما سألت، وتفضلاً لما أدّى لموافقتك فيه، فرأيك أبقاك الله في معرفة ذلك والعمل على حسبه. وذلك سنة خمس وأربعين ومائتين. فكان أمد قضائه سبع سنوات واحد عشر شهراً. وولي بعده بكار ابن قتيبة. فلم يكشف أحداً من أصحاب الحارث. وقال: حارث في فضله ودينه، أعلم بأهل بلده مني، إلى أن يتبين لي جرحه. وذكر أبو عمر الصدفي: إن رجلاً أتى الحارث برجل معه نصرانية، معها صغير أراد أن يبيعها من نصراني، فذكر ذلك للحارث. فقال له الحارث: فما أصنع به.