فقال له سحنون مجيباً: اليوم عمل وغداً حساب وما بعد غد جزاء. فلما ولَّى تبعته، حتى دخل المقبرة. فلما خفت فواته، قلت له: بالله قف لي.
فقال: ما تريد، أنا رجل من الجانّ، كنت أغشى مجلس أبي سعيد أسأله عن مسائل، فقد حرمتني المسائل، ثم غاب عني، فخطر لي الخروج إلى الحج، فبينا أنا في الطواف إذ جبن بثوبي من ورائي، فالتفت فإذا بالجنيّ، فسلم عليّ وأخبرني بخير من خلقته. ثم قال لي: رأيت الطلبة، يختلفون إلى شيخ، فمضيت إلى الرجل معه، فلما أشرفنا على الجماعة، جبنني الجني بثوبي، وقد تغير لونه وقال لي: هذا إبليس، والله لو رآني لقتلني. قلت له: فما العمل؟ قال: ارجع فالطمه للرأس، وقل له: يا لعين، يا ملعون. إيش أتى بك ها هنا؟ ففعلت. فاضمحل حتى صار مثل الدخان وأخبرت الطلبة بالقصة، فعجبوا وخرقوا ما كتبوا عنه. وحكى ابن اللباد هذه الحكاية وزاد في أولها: كان فتى يغشى مجلس سحنون، ذا سكينة وصمت، لا يتكلم. فإذا كان آخر المجلس، سأله عن ثلاث مسائل أو أربعة أو نحوها. ويستغرب لا يعرفه أحد من الطلبة، فشغل أحد الطلبة نفسه به، وأتبعه حتى خرج، وذكر الحكاية، وفيها زيادة ألفاظ، وفيها: وها هنا قوم من صالحي الجن فهم يرسلونني أسأل عنهم، عن دينهم وما يحتاجون إليه. فقد قطعت حظهم من ذلك.