قال ابن أبي مريم: كان ابن حبيب عندنا نازلاً بمصر. وما كنت رأيت أدوم منه على الكتاب، دخلت إليه في القائلة في شدة الحر، وهو جالس على سدة وعليه طويلة. فقلت: قلنسوة في مثل هذا الوقت. فقال: هي تيجاننا. فقلت: فما هذه الكتب؟ متى تقرأ هذه؟ فقال: ما أشتغل بقراءتها. قد أجازها لي صاحبها. فخرجت من عنده، فأتيت أسداً، فقلت: أيها الشيخ تمنعنا أن نقرأ عليك، وتجيز لغيرنا. فقال: أنا لا أرى القراءة فكيف أجيز، وإنما أخذ مني كتبي، يكتب منها ليسردها علي، قال خالد: إقرار أسد له بروايتها ودفع كتبه لنسخها، هي الإجازة بعينها. وذكر عن يونس، قال: أعطاني يونس كتبه عن ابن وهب فقابلناه بها فقلت: أصلحك الله كيف تقول في هذا؟ فقال: إن شئتم فقولوا: حدّثنا. وإن شئتم فقولوا أخبرنا. قال القاضي: أبو الفضل رضي الله عنه. وقد قال مالك رحمه الله: لمن سأله عن الأحاديث التي كتبها من حديث ابن شهاب، ليحيى بن سعيد الأنصاري، وقال له: أقرأها عليك. فقال: كان أفقه من ذلك. أي أن مثل هذا يغني عن القراءة. وقد بينا هذا الأصل في كتاب الإلماع الى أصول الرواية، وضروب السماع. وحكى ابن الفرضي أنه ذكر أن ابن حبيب كان يأخذ بالرخصة في السماع، وأنه كان له جوار يسمعنه وقد عرض به الغزال الشاعر في ذلك، فيما أذاه به من شعره، وأذى به غيره من الفقهاء.