فدعا - صلى الله عليه وسلم - ربه أن يغير حال المدينة إلى أحسن حال من الناحية المعيشية والصحية. أما من الناحية المعيشية فإنّه دعا لها بالبركة في مكاييلها المختلفة من مد وصاع وغيرها، فلا يكال بها الطعام حتى يتضاعف وينمو ويتكاثر، ويجزىء منه القليل، ويكفي عن الكثير، وتتغذى به الأجسام غذاءً جيداً فتتحسن الحالة المعيشية، وتتوفر المواد الغذائية. وأما من الناحية الصحية فقد دعا - صلى الله عليه وسلم - ربه أن يصحح لهم المدينة، وأن ينقل ميكروب الحمى منها إلى الجحفة ويقضي على الجراثيم والأوبئة التي كانت فيها فيتمتع أهلها بماء صحي وجو نقي وتطيب بها الحياة. " قالت " عائشة رضي الله عنها " وقدمنا المدينة وهي أوبأ أرض الله " أي أكثرها وباءً ثم بينت عائشة رضي الله عنها سبب وبائها وكثرة وجود الحميات فيها حيث قالت: " فكان بطحان يجري نجلاً " بفتح النون وسكون الجيم، قال الراوي:" يعني ماء آجناً " قال العيني: " الآجن " بالمد الماء المتغير الطعم واللون. اهـ، أي وكان وادي بطحان في جنوب المدينة يجري طول العام وعلى مدار السنة بالمياه المتغيرة المتعفنة التي تتركد فيه كثيراً، فتتعفن فينشأ عن ذلك البعوض والميكروبات الضاّرة وتتفشى الأمراض، وتكثر الحميات، وينتشر الوباء، كما يحدث عادة في البلاد التي تكثر فيها المستنقعات دون أن تتواجد فيها رعاية صحية كافية للقضاء على تلك الميكروبات التي تنجم عنها. الحديث: أخرجه الشيخان.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: أن المدينة المنورة كانت قبل الإِسلام " أوبأ أرض الله " فلما هاجر إليها - صلى الله عليه وسلم - طهرها الله من الوباء وصححها من الأدواء استجابة لدعوة نبيه - صلى الله عليه وسلم -. ثانياًًً: أن الله بارك لأهل المدينة في ثمارهم وأقواتهم، ووضع البركة في مكاييلهم بحيث يكفي فيها من الطعام ما لا يكفي في غيرها استجابة لدعوة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وفي الحديث الصحيح " كيلوا طعامكم يبارك لكم فيه " أو كما قال - صلى الله عليه وسلم -. ثالثاً: أشار