عليه من مال أبيه، وأحسنت تربيته فنشأ نشأة علمية صالحة، ولاحظته العناية الإِلهية منذ صغر سنه، فقد روي أنّه ذهبت عيناه في صغره، فأخذت أمُّه تضرع إلى الله تعالى، وتبتهل إليه حتى استجاب دعاءها وردّ إليه بصره، وأسلمته أمه إلى الكتاب، فحفظ فيه القرآن الكريم، وظهرت عليه آثار النجابة، ورزقه الله تعالى قلباً واعياً، وحافظة قوية، وألهمه حفظ الحديث، فأخذ منه بحظٍ وافر وهو لم يبلغ العاشرة من عمره، وتردد على علماء بلده، وما إنْ بلغ السادسة عشرة حتى حفظ عدداً كبيراً من كتب الأئمة وكيع وابن المبارك وغيرهم من أعلام عصره.
رحلاته العلمية: كان البخاري واسع الطموح قوي الرغبة في طلب العلم، أفنى عمره كله في رحلته الطويلة بين العواصم الإسلامية للالتقاء بالمحدثين والسماع منهم، فبدأ رحلته بالحج برفقة أمّه وأخيه أحمد الذي كان أكبر منه سنّاً، وأقام بمكة زمناً، ثم طاف على معظم مراكز الحديث في العالم الإِسلامي وسمع من مشايخه في خراسان والحجاز ومصر والشام، ودخل المدينة المنوّرة، وصنَّف في روضتها الغراء كتابه "التاريخ الكبير" وقال رحمه الله: قلّ اسم في التاريخ إلاّ وله عندي قصة. ودخل بغداد ثماني مرات، وكان يجتمع فيها كل مرة بالِإمام أحمد، فيحثه على الإقامة فيها.
كثرة شيوخه: لا شك أن هذه الرحلة الطويلة كانت سبباً في كثرة مشايخ البخاري وكلهم من أعلام المحدثين ذوي الثقة والعدالة. قال رحمه الله تعالى: "كتبت عن ألف وثمانيْن نفساً، ليس منهم إلاّ صاحب حديث. وكان بعض مشايخه رحمه الله من التابعين، وبعضهم من أتباع التابعين، وهم الطبقة الوسطى من مشايخه.
تلامذته: أخذ عن البخاري وسمع منه خلق كثيرٌ حتى قال الفربري: سمع