والمراد من هذا الكتاب بيان أمرين: الأول: كما قال القاري ذكر الأحاديث الصحيحة التي تتعلق بظهور الخليقة، ومبدأ وجود الكائنات، الأول فالأول.
الثاني: ذكر أحوال الخليقة من المبدأ إلى المحشر، وما ورد من الأخبار عن عجائب المخلوقات من العرش والسموات والأرض والشمس والقمر والنجوم والرياح والملائكة وصفة الجنة والنار، والعوالم غير المنظورة من الجن والشياطين والملائكة، أما الأخبار الواردة عن بدء الخليقة فإن فيها الكثير من الإسرائيليات المروية عن وهب بن منبه وكعب الأحبار والسدي وغيرهم، وأغلبها لا يعتد به، ولا تقوم به حجة، فما يوجد منها في " صحيح البخاري " فإن كان من الأحاديث المرفوعة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو من الحقائق الثابتة والأخبار المقبولة، أما ما نقله من الأخبار عن الصحابة والتابعين ولم يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه موضع بحث ونظر، لأن الصحابة والتابعين قد أخذوا عن حسن نية الكثير من الأخبار الإسرائيلية، وتحدثوا بها، وحكم الإِسلام بالنسبة إلى الإسرائيليات أنّها تعرض على الكتاب والسنة، فما وافقهما فهو حق لا شك فيه، وما خالفهما فباطل لا شك فيه، وما سكت عنه الكتاب والسنة فهو خبر عادي يحتمل الصدق والكذب، وهو المقصود بقوله - صلى الله عليه وسلم -: " لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم " والحاصل أن جميع الأخبار المتعلقة بالموجودات وسنن الكائنات ينظر فيها، فإن كانت قرآناً أو سنة صحيحة فعلى الرأس والعين، وإن كانت خلاف ذلك، فإنها تخضع للبحث العلمي والنقد الصحيح، والله أعلم.