للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أوَّل من استجاب لهذه الدعوة إمام المحدثين في ذلك العصر محمد بن مسلم بن شهاب الزُّهري، فكتب فرائد في علم الحديث، حتى عدّه بعضهم واضع مصطلح الحديث. وكان أوَّل من جمع الأحاديث والآثار.

ثم اقتفى المحدثون أثره ونهجوا نهجه، واقتصروا في أوَّلِ الأمرِ على مجرد تدوين الحديث وجمعه، ثم خطوا خطوة جديدة انتقلوا فيها من مرحلة التدوين إلى مرحلة التنسيق والترتيب الفقهي، فوزعوا الأحاديث على أبواب الفقه الإسلامي، فهذا كتاب الصلاة وأبوابها، وهذا كتاب الزكاة وأبوابها، وهذا كتاب الصوم وأبوابه، وهكذا إلى آخره.

وكان من الروّاد الأوائِل في تنسيق الأحاديث وترتيبها ابن جريج ومالك وعبد الله بن المبارك وعبد الرزّاق (١)، ثم جاء من بعدهم النسائي وابن ماجة وغيرهم، وفي مقدمتهم الإمامان الجليلان محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم ابن الحجاج القشيري.

[البخاري، نسبه، ولادته، نشأته]

البخاري هو حجة الإسلام وقدوة الأَنام وأمير المحدثين الأَعلام، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن المغيرة بن "بَرْدِزْبَة" (٢) الجعفي، أَسلم جدّه المغيرة على يد ابن اليمان الجعفي والي بخارى، ولذلك نسب إليه. وكان والده إسماعيل من ثقات المحدثين، كما ترجم له ابن حبان، وذكر عنه البخاري أنه سمع من مالك، وصحب ابن المبارك، وكان محدِّثاً ورعاً صالحاً تقياً. ولد البخاري عند صلاة الجمعة من اليوم الثالث عشر من شوال سنة ١٩٤ هـ ببلدة بخارى من أسرة كريمة، وأراد الله أن ينشأ يتيماً في حجر أمّه، وكانت صالحة فأَنفقت


(١) الإمام البخاري للدكتور الندوي أيضاً.
(٢) بردزبة بفتح الباء وكسر الدال ومعناه "الفلاح أو المزارع باللغة الفارسية".

<<  <  ج: ص:  >  >>