للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في بيتها فدفعتها الغيرة إلى الانتقام منها بكسر قصعتها. " فضمها " أي فجمع النبي - صلى الله عليه وسلم - أطراف تلك القصعة التي انكسرت. " وجعل فيها الطعام وقال: كلوا " أي وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - من كان معه من الصحابة بالأكل منها، وكان الطعام الذي فيها من الحيس وهو طعام يصنع من التمر والأقط والسمن، قال العيني: وقد يجعل عوض الأقط الدقيق. اهـ.

قال الشاعر:

وإذا تَكُوْنُ كَرِيْهَة أدْعَى لَهَا ... وَإذَا يحَاسُ الحَيْسُ يُدْعَى جُنْدُبُ

قال الراوي: " وحبس الرسول والقصعة " أي وأبقى النبي - صلى الله عليه وسلم - الرسول والقصعة المكسورة عنده وأخرهما " حتى فرغوا " أي حتى انتهوا من أكل طعامهم، " فدفع القصعة الصحيحة " أي فغرّم السيدة عائشة مثل القصعة التي كسرتها، وأخذ قصعة صحيحة من أوانيها فدفعها إلى زينب بدل قصعتها التي كسرتها عائشة، وهكذا ألزم النبي - صلى الله عليه وسلم - عائشة رضي الله عنها بالضمان بالمثل، لأن " من أتلف شيئاً فعليه ضمانه " كما في الحديث الصحيح والمطابقة: في قوله " فدفع القصعة (١) الصحيحة ".

فقه الحديث: دل هذا الحديث على مشروعية ضمان المتلفات من العروض والحيوان بالمثل، قال ابن التين (٢): احتج بهذا الحديث من قال: يقضى في العروض بالأمثال، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي ورواية عن مالك، وفي رواية ما صنع الآدميون غرم مثله كالثوب وبناء الحائط ونحو ذلك، وكل ما كان من صنع الله عز وجل مثل العبد والدابَّة ففيه القيمة، والمشهور من مذهبه أن كل ما كان ليس بمكيل ولا موزون ففيه القيمة، وما كان مكيلاً أو موزوناً فيقضى بمثله يوم استهلاكه. قال العيني: ومذهب أبي حنيفة أن


(١) أي في قوله: " فدفع القصعة الصحيحة ".
(٢) " شرح العيني " ج ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>