عَلى ذَلِكَ: فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فَقَالَ: كَذَبتَ لَعَمْرُ الله، وَاللهِ لَنَقْتُلَنَّهُ فَإِنَّكَ مُنَافِق تُجادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ، فَثَارَ الْحَيَّانِ الأوْسُ وَالْخَزْرَجُ حَتَّى هَمُّوا وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْمِنْبَرِ فَنَزَلَ فَخَفَّضَهُمْ حَتَّى سَكَتُوا، وَسكَتَ وَبَكَيْتُ يَوْمِي لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ ولا أكْتَحِلُ بِنَوْم، فأصْبَحَ عِنْدِي أبوَايَ قَدْ بَكَيْتُ لَيلَتَيْنِ ويَوْماً حَتَّى أظُنُّ أنَّْ الْبُكَاءَ فَالِقٌ كَبدِي، قَالَتْ: فَبَيْنَما هُمَا جَالِسَانِ عِنْدِي وأنا أبْكِي، إذ استأذَنَتِ امْرأةَ بن الأنْصَارِ فأذنتُ لَهَا، فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي، فَبَيْنَمَا نَحْنُ كَذَكَ إِذ دَخَلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَجَلَس وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مِنْ يَوْمِ قِيلَ فِيَّ مَا قِيلَ قَبْلَهَا، وَقَدْ مَكَثَ شَهْراً لا يُوِحَى إلَيْهِ في شَأنِي شَيءٌ، قَالَتْ: فتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ: يَا عَائِشَةُ فَإنهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَان كُنْتِ بَرِيْئَةً فسَيُبَرِّئُكِ اللهُ، وإنْ كُنْتِ
ــ
بالخزرج، وأن ذلك من اختصاصه هو، أو أن معنى لا تقتله لا تجد إلى قتله سبيلاً لمبادرتنا إلى قتله قبلك كما أفاده في " بهجة النفوس "" فقام أسيد ابن حضير فقال: كذبت لعمر الله لنقتلنه " أي تأكد وتحقق أنه لو أمرنا رسول الله بقتله قتلناه ولا نبالي ما يكون " فإنك منافق تجادل عن المنافقين " ولم يقصد بذلك وصفه بالنفاق حقيقة، وإنما قال ذلك للمبالغة في زجره، ثم إن هذا السباب لا يقام له وزن، لأنه صدر في حالة غضب، والغضب من الشيطان " فثار الحيان حتى هموا " بالقتال " فخفضهم " أي فهدأ النبي - صلى الله عليه وسلم - من غضبهم وثائرتهم " وبكيت يومي لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم " وقد تقدم شرحه " حتى أظن أن البكاء فالق كبدي " أي حتى غلب على ظني أن البكاء يشق كبدي " فبيما نحن كذلك إذ دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلس " أي جلس عندي " ثم قال: يا عائشة لقد بلغني عنك كذا وكذا "