أُنْزِلَ عَلَيْهِ الوَحْىَ فَأخَذَهُ مَا كَانَ يَأخُذُهُ مِنَ البُرحَاءِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ مِنَ الْعَرَقِ في يَوْم شَاتٍ، فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَضْحَكُ، فَكَانَ أوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أنْ قَالَ لِي: يا عَائِشَةُ احْمَدِي اللهَ فَقَدْ بَرَّأكِ الله"، فَقَالَتْ لِي أمِّي: قُومِي إلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: لَا وَاللهِ لَا أقومُ إِلَيْهِ، ولا أحْمَدُ إِلَّا اللهَ، فَأنزلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ) الآيَاتِ، فلمَّا أنزلَ اللهُ عزَّ وَجَلَّ هَذَا في بَرَاءَتِي
ــ
ما رام مجلسه" أي ما فارق النبي - صلى الله عليه وسلم - مجلسه " حتى أُنزِلَ عيه الوحي فأخذه ما كان يأخذه " أي فأصابه ما كان يصيبه أثناء نزول الوحي " من البرحاء " أي من ارتفاع الحرارة وشدة العرق " حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان " أي حتى صار العرق يتساقط منه كما تتساقط اللآلىء المتناثرة " في يوم شات " أي حال كونه - صلى الله عليه وسلم - قد حدث له ذلك في يوم شتوي شديد البرودة " فلما سرّي عن رسول الله " بضم السين وكسر الراء المشددة أي فلما انكشف عنه الوحي " وهو يضحك " أي حال كونه ضاحكاً متهلل الأسارير، مشرق الوجه من شدة السرور والفرح ببراءة زوجته الحبيبة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها " فقالت لي أمي: قومي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أي قومي إليه واشكريه على بشراه لك بهذه البراءة "، " فقلت: لا والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلاّ الله " لأنه هو الذي برأني مما نسب إليَّ بقرآن يتلى إلى يوم القيامة، أما أنتم فقد شككتم في أمري " فأنزل الله عز وجل (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ) الآيات " إلى آخر قوله تعالى: (وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) فأثبت الله تعالى بالوحي الصريح براءة عائشة حيث قال: (أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ) وسمى الله تلك التهمة الشنيعة " إفكاً " فقال: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ