معنى الحديث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع رجلاً يثني على رجل آخر ويطريه، ويبالغ في مدحه ويصفه بما ليس فيه، فحذره من ذلك " فقال: ويلك قطعت عنق صاحبك " أي أهلكته وأضررت به، حيث وصفته بما ليس فيه، فربما جره ذلك إلى العجب والغرور والشعور بالكمال، فلا يزداد من الفضائل، فيصبح كالمقطوع الرأس المتوقف عن الحركة، أو كالمشلول العاجز عن العمل.
" ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: من كان منكم مادحاً أخاه لا محالة " أي إذا كان لا بد من مدحه لأن المقام يقتضي الثناء عليه اقتضاًء شرعياً كتزكية الشاهد مثلاً " فليقل: أحسب فلاناً والله حسيبه ولا أزكي على الله أحداً، أحسبه كذا وكذا إن كان يعلم ذلك منه "، أي إن كان لا بد من الثناء عليه لمصلحة مشروعة فليقتصر على وصفه بما يعلم فيه من خصال الخير الموجودة، ويقول أثناء وصفه له: أحسبه رجلاً عدلاً، أو صالحاً، أو كريماً مثلاً، أو شجاعاً، أو ماهراً في صنعته إن كان يعلم أن هذه الصفة موجودة فيه، لا أن يثني عليه جزافاً، ثم يقول:" والله حسيبه ولا أزكي على الله أحداً " أي ولا أقطع لأحد بشيء في المستقبل ولا أقطع له بشيء في ضميره، لأنه لا يعلم الغيب إلاّ الله، وإنما أظن أنه على هذه الصفة: والله أعلم به. الحديث: أخرجه الشيخان وأبو داود وأحمد وابن ماجة.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: مشروعية تزكية المسلم بما يعلم فيه عند الشهادة أو غيرها لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " فليقل أحسبه كذا أو كذا إن كان يعلم ذلك منه " أي يصفه بما يعلم عنه دون إسراف في الثناء أو مبالغة فيه. ثانياًً: استدل أبو حنيفة بهذا الحديث على جواز الاكتفاء في التزكية برجل واحدٍ وهو مذهب البخاري كما تدل عليه الترجمة، وبه قال أبو يوسف، وقال مالك والشافعي ومحمد بن الحسن: لا بد في التزكية من اثنين. والمطابقة: في كون الحديث يدل على الترجمة حسب مفهوم البخاري.