في " هداية الباري " تأويل ذلك أن الضعفاء هم أشد إخلاصاً، وأكثر خشوعاً، لخلو قلوبهم من التعلق بزخارف الدنيا، وصفاء ضمائرهم من القواطع عن الله جل شأنه، فبذلك زكت أعمالهم، واستجيب دعاؤهم، لكرامتهم على ربهم، وفي الحديث الصحيح:" ألا أخبركم بأهل الجنة كل ضعيف متضعِّف لو أقسم على الله لأبرّه ".
فقه الحديث: دل هذا الحديث على مشروعية الاستعانة بدعاء الضعفاء على النصر على الأعداء، إذا كانوا صالحين، وهو ما ترجم له البخاري، لأن النصر إنما هو من عند الله، فلا ينبغي الاعتماد فيه على مجرد القوة العسكرية، أو البطولة والشجاعة، وإنما ينبغي الاعتماد على الله، والإكثار من التضرع والاجتهاد في الدعاء، والتماس دعاء الضعفاء والصالحين، لما له من عظيم الأثر في مثل هذه المواقف، فقد جاء في رواية البخاري عن سبب هذا الحديث، أن سعد بن أبي وقاص رأى أن له فضلاً على من دونه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " هل تنصرون وترزقون إلاّ بضعفائكم "، وفي رواية أنه قال: يا رسول الله أرأيت رجلاً يكون حامية القوم، ويدفع عن أصحابه أيكون نصيبه كنصيب غيره؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: " ثكلتك أمك، وهل ترزقون وتنصرون إلاّ بضعفائكم " فلما رأى سعد أنه هو وأمثاله من الفرسان هم الذين كسبوا المعركة قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تظن أن المسلمين لم ينتصروا إلا بسواعد أبطالهم، وقوة فرسانهم، بل إنما انتصروا بدعاء ضعفائهم، وفي رواية أخرى " إنما ينصر الله هذه الأمة بضعفائهم، بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم ". الحديث: أخرجه البخاري والنسائي. والمطابقة: في كون الحديث دليلاً على الترجمة.