للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختيار: وهو ما يتعلق بالأعمال من طاعة ومعصية، وكفر وإيمان، فهذه الأعمال التي قدرها الله على الإِنسان، وعلم بوقوعها منه ليست حتمية عليه، ولا هو مجبور عليها، وإنما يفعلها بمحض إرادته واختياره، ولذلك كان مسؤولاً عنها، مثاباً على الخير، معاقباً على الشر. قال الخطابي: " قد يحسب كثير من الناس أن معنى القضاء والقدر إجبار الله سبحانه العبد على ما قدره وقضاه، وليس الأمر كما يتوهمون، وإنما معنى القدر الإِخبار عن تقدم علم الله تعالى بما يكون من اكتسابات العبد. اهـ. وقد أمر الله الخلق بالإِيمان والطاعة، ونهاهم عن الكفر والمعصية، وفي هذا حجة الله البالغة على عباده، لأنهم إنما كلفوا بالأمر والنهي، أما القضاء والقدر فإنما أمروا بالإِيمان به دون الاحتجاج به في ارتكاب المعاصي ". وقد سئل فضيلة الأستاذ الشعراوي (١): عن القدر الذي هو علم الله بالأشياء قبل وقوعها هل هو صفة جبر فأجاب: بأن العلم ليس صفة جبر، إنما هي صفة انكشاف فقط يكشف الأشياء على ما هي عليه، وضرب لذلك مثلاً بسيطاً فقال: أنت جئت تزورني وعندي خادم، فأرسلته ليحضر كازوزة من البقال فتأخر فقلت لك: هل تعرف لماذا أبطأ، هناك ولد آخر على ناصية الشارع مستولٍ على هذا الولد حينما يراه خارجاً لشراء حاجة يلعب معه، ويأخذ نقوده، والنقود ضاعت من الولد وهو خائف أن يأتي، فلما جاء الخادم سألناه ما الحكاية، فقال: كما قلت أنا، فهل ترى عندما قلت إنه سيحصل منه كذا وكذا أرسلت معه قوة لترغمه على فعل ما قلته لك. فكيف قلت أنا هذا الكلام؟ قلته: لأنني أعرف سوابقه، ومعرفتي لسوابقه للعلم فقط، كذلك ولله المثل الأعلى علم الله تعالى أزلاً ما يكون من عبده المختار، فقال: سيكون من عبدي كذا وكذا، فهو عز وجل كتب لا ليلزم، ولكنه كتب لأنه عالم بما يكون من العبد، والفرق


(١) " القضاء والقدر " لفضيلة الشيخ الشعراوي.

<<  <  ج: ص:  >  >>