نية كانت باطلة. أما المعاملات والجنايات، وأعمال القلوب، والأعمال العادية فإنها لا تتوقف صحتها على النية، لأن الأعمال وإن كانت في الأصل تطلق على جميع الأقوال والأفعال الصادرة من الإِنسان عبادة أو معاملة أو غيرها، إلّا أن المراد بها في هذا الحديث العبادات خاصة. " ولكل امرىء ما نوى " أي وإنما يعود على المسلم من عمله ما قصده منه، والحكم في هذه العبارة عامٌّ في جميع الأعمال من العبادات والمعاملات والأعمال العادية فمن قصد بعمله منفعة دنيوية، لم ينل إلاّ تلك المنفعة، ولو كان عبادة، فلا ثواب له عليها. ومن قصد بعمله التقرب إلى الله تعالى، وابتغاء مرضاته، نال من عمله المثوبة والأجر، ولو كان عملاً عادياً كالأكل والشرب والجماع، فإن عمل الدنيا يتحول بحسن النية إلى عبادة فنتائج الأعمال بنياتها إلاّ المحرمات فإن حسن النية لا يبرر اقتراف المعصية، فالحرام حرام، ولو حسنت نية فاعله.
ثم ختم النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثه هذا بضرب الأمثلة العملية لبيان تأثير النيات في الأعمال، واختلاف النتائج باختلافها حيث قال: " فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله " أي فمن قصد بهجرته امتثال أمر ربه، وابتغاء مرضاته، والفرار بدينه من الفتن، فهجرته هجرة شرعية مقبولة عند الله تعالى، مأجور عليها بأجر المهاجرين، ولو مات في طريقه قبل الوصول إلى مهجره كما قال عز وجل:(ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله) " ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها " أي ومن قصد بهجرته منفعة دنيوية وغرضاً شخصياً من مال أو تجارة أو زوجة حسناء، أوْ وَجَاهَة وسمعة، أو مركز يحصل عليه " أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه " أي فلا ينال من هجرته إلاّ تلك المنفعة التي نواها، ولا نصيب له من الأجر والثواب. لأنَّه لا هجرة له شرعاً، وإنما هي رحلة عادية.