" ليتخذه مسجداً " أي ليبني على تلك الأرض مسجده - صلى الله عليه وسلم - " فقالا: بل نهبه " أي نعطيه لك دون ثمن. " فأبى أن يقبله منهما هبة " أي فرفض أن يقبله منهما بدون ثمن، " ثم بناه مسجداً " أي ثم اشتراه منهما، وبنى في مكانه مسجداً، " وطفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينقل معهم اللبن في بنيانه " أي وشرع رسول الله في بناء المسجد، وشارك أصحابه بيده في بنائه، فصار ينقل معهم اللبن " ويقول وهو ينقل اللبن " يعني وينشد أثناء ذلك قول الشاعر:
أي الأجر الحقيقي هو الأجر الأخروي، لأنه كما قال بعضهم: لو كانت الدنيا من جوهر يفنى والآخرة من خزف يبقى لكانت الآخرة أفضل، ثم دعا - صلى الله عليه وسلم - للمهاجرين والأنصار بالرحمة والرضوان في قوله:" فارحم الأنصار والمهاجرة ".
فقه الحديث: دل هذا الحديث على فوائد وأحكام كثيرة: أولها: بيان قصة هجرته - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة والحفاوة البالغة التي قوبل بها، فكانوا يفدون كل غداة إلى الحَرَّة ينتظرون قدومه لكي يستقبلوه حتى يردهم حر الظهيرة، ثم لما جاءتهم البشرى بوصوله إلى المدينة تقلدوا سيوفهم، وذهبوا لاستقباله، وأحاطوا به خوفاً عليه من اليهود وقالوا: اركبا آمِنَيْنِ مُطَاعَيْنِ، فركب نبيُّ الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وحفوا دونهما بالسلاح، فقيل بالمدينة: جاء نبي الله جاء نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، فأشرفوا ينظرون، ويقولون: جاء نبي الله - أي فصار أهل المدينة يتطلعون إلى رؤيته، ويهتفون باسمه قائلين: جاء نبي الله، جاء نبي الله، قال البراء بن عازب: فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث جعلت الإِماء