للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عباس في تكريمه حتى أنه خرج لأبي أيوب عن داره (١)، وأنزله فيه، كما أنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في داره وملكه كل ما أغلق عليه، ثم أعطاه عند سفره عشرين ألفاً وأربعين عبداً، وقد صارت دار أبي أيوب من بعده إلى مولاه أفلح، ثم اشتراها منه المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بألف دينار، وأصلحها، ووهبها لأهل بيت فقراء. رابعها: مشابهة الصديق للنبي - صلى الله عليه وسلم - في أغلب شمائله حتى أنّ ابن الدغنة وصفه بالصفات التي وصفت بها خديجة رضي الله عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قولها: " إنك لتصل الرحم، إلخ. خامسها: أن هجرته - صلى الله عليه وسلم - لم تكن سهلة ميسورة، وإنما كانت صعبة قاسية محفوفة بالمخاطر، فقد خرج - صلى الله عليه وسلم - من مكة في شهر يونيه من سنة ٦٢٢ م (٢) حيث اشتد الحر، وتوهجت الصحراء، وسار - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه فوق الحجارة الحارة، والرمال الجارحة التي أدمت أقدامهما، ولم يصل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الغار حتى تفطرت قدماه، ثم إنهما مكثا في ذلك الغار الموحش الرهيب ثلاثة أيام أشد ما يكون الطلب عليهما، فقد جعل أهل مكة في كل منهما ديته مائة من الإبل، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - عالماً بذلك، فاجتهد في إخفاء أثر قدميه، حتى أنه كان يمشي على أطراف قدميه، حتى حفيت قدماه، فحمله الصديق يشتد به حتى أتى الغار. سادسها: معجزته - صلى الله عليه وسلم - الظاهرة مع سراقة بن جعشم عندما لحق به، فساخت قدما فرسه مرتين إلى آخر ما جاء في ذلك. سابعها: أن هجرته - صلى الله عليه وسلم - لم تكن عن رأي شخصي، وإنما كانت بأمر إلهي، حيث أمر بذلك في قوله تعالى: (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا). ثامنها: أن الهجرة كانت رحلة مخططة منظمة بأمر إلهي وتدبير سماوي، ومن هذا التدبير المحكم أنه - صلى الله عليه وسلم - أمره جبريل أن لا يبيت في فراشه تلك الليلة، وأن


(١) " البداية والنهاية " لابن كثير.
(٢) " فيض الخاطر " لأحمد أمين جـ ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>