للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من هذه الرائحة ولا أعطر منها " قال: عندي أعطر نساء العرب " أي أطيبهن عطراً " فقال: أتأذن لي أن أشم رأسك؟ قال: نعم، فشمه ثم أشم أصحابه " ثم تركه وشغله بالحديث قليلاً " ثم قال أتأذن لي " أن أشمك مرة أخرى " قال: نعم فلما استمكن منه قال دونكم " أي أخذ بفودي رأسه، وأمسك بشعره، وتمكن منه، فقال: اضربوا عدو الله، فضربوه بأسيافهم حتى قتلوه. قال: وقد صاح عدو الله صيحة لم يبق حولنا حصن إلاّ وقد أوقدت عليه نار.

فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: كيف تم قتل كعب ابن الأشرف النبهاني بتدبير محكم، وحيلة ودهاء على يد الصحابي الجليل محمد ابن مسلمة ورفاقه، وكان ذلك في شهر ربيع الأوّل من السنة الثالثة من الهجرة يولية سنة ٦٢٤ م. وقد أستنكر بعض المستشرقين اغتيال كعب بأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم -، لكنه استحق ذلك، لأنه خان وغدر، ونقض العهد، ودفعه الغرور بثروته وجاهه وقدرته الشعرية إلى هجو النبي - صلى الله عليه وسلم - بأفظع الهجاء، بعد أن عاهده مع أخواله من اليهود فنقض العهد ونشط يهجو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأشعاره، ورحل إلى مكة يبث الدعوة للقتال، قال موسى بن عقبة: وكان كعب بن الأشرف، قد آذى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالهجاء، وركب إلى قريش فاستقواهم، وقال له أبو سفيان وهو بمكة: أناشدك الله أديننا أحب إلى الله أم (١) دين محمد وأصحابه؟ فقال له كعب: أنتم أهدى منهم سبيلاً، فأنزل الله على رسوله (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا) ولم يخرج من مكة حتى أجمع أمرهم على قتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعل يشبب بأم الفضل بنت الحارث وبغيرها من نساء المسلمين، وروي أن كعب بن الأشرف صنع طعاماً (٢)، ودعا النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه،


(١) " البداية والنهاية " " شرح العيني على البخاري ".
(٢) " فتح الباري " ج ٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>