للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شرَّ ما قال لأحد" أي قال فيهم شر كلام قاله في أحد من البشر، ووصفهم بأقبح الصفات القبيحة " فقال الله عز وجل (سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ -إلى قوله- فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) " يعني فقال الله في حقهم (سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٩٥) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) وهذا شر مقال قاله الله في أحد من خلقه. حيث أمر عز وجل بالإِعراض عنهم وعدم معاتبتهم احتقاراً لهم، ثم أمر باجتنابهم، والابتعاد عنهم، لأنهم " رجس "، والرجس والنجس بمعنى واحد، ثم توعدهم أشد الوعيد في قوله (وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) ثم بيّن أن محاولتهم التخلص من التوبيخ والتأنيب، وإرضاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بالأيمان الكاذبة لا تنفعهم في الدنيا ولا في الآخرة، لأن الله سيفضح أمرهم، ويهتك سترهم في هذه السورة التي سميت سورة الفاضحة.

فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: أن الإِمام إذا استنفر المسلمين للغزو لزمهم النفير، ولحق اللوم من تخلف منهم، ولذلك اشتد الغضب على من تخلف عن غزوة تبوك، وإن كان الجهاد في حد ذاته فرض كفاية، ولكن لما أمر - صلى الله عليه وسلم - بالنفير العام تعيّن الخروج على كل قادر عليه. ثانياًً: جواز ترك السلام على المذنب، وهجره أكثر من ثلاثة أيام. ثالثاً: فائدة الصدق وعاقبته الحميدة، فإن الله تعالى تاب على هؤلاء الثلاثة، وعفا عنهم بسبب صدقهم كما قال كعب: " إنما نجَّاني الله بالصدق ". رابعاً: شؤم الكذب وعاقبته الوخيمة، فإن المنافقين الذين اختلقوا الأعذار الكاذبة سرعان ما فضحهم الله وهتك سترهم، ووصفهم بأقبح الصفات في قوله تعالى (فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ). خامساً: أن الخطأ لا يعالج بخطأ آخر، وِإلا تفاقم الشر، وتضاعف الخطأ، وأصبحت المعصية معصيتين، ولذلك آثر كعب الصدق لئلا يجمع بين ذنبين. سادساً: مشروعية التبشير بالخير والتهنئة بالنعمة كما فعل

<<  <  ج: ص:  >  >>