الإِسْلَام، فَقَالَ رسَولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " لا تُصَدِّقُوا أهْلَ الكِتَابِ ولا تُكَذبُوهُمْ (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا) " الآيَة.
ــ
أصحابه أن يقفوا من ذلك موقف الحيطة والحذر، فلا يُصدقُونهم فيه ويأخذونه منهم قضية مسلمة لأن التوراة قد أدخل عليها الكثير مما ليس فيها، ولا يكذبونهم فيه لاحتمال أن يكون من بقية الوحي السماوي الذي أنزل على موسى، وهو معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: " لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم " لأنه يحتمل الصدق والكذب، هذا إذا لم يكن مخالفاً للقرآن والسنة الصحيحة، وإلا فإنه في هذه الحالة يرفضُ تماماً، لأنه كذب صريح، أو كان موافقاً لهما موافقة صريحة، فإنه يقبل ويصدق، ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا) أي (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ).
فقه الحديث دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: أن التوراة التي كانت على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - والتي هي موجودة في زماننا هذا، والنصوص والأخبار التي فيها ليست كلها صحيحة منزلة من عند الله تعالى، لأنها لم تبق على حالتها الأصلية التي كانت عليها عندما ما أنزلت على موسى، كما أنها ليست كلها باطلة، لأن فيها بقايا صحيحة مما أنزل على موسى، ونحن معاشر المسلمين نقف منها موقف الحق والعدل والإنصاف، فأما ما وافق القرآن فهو حق لا شك فيه، وهو من الوحي الذي أنزل على موسى، وقدْ أوجب الله علينا في الآية الكريمة أن نؤمن به، وأما ما خالف القرآن فهو باطل، وأمّا ما لم يخالف ولم يوافق فيحتمل الصدق والكذب. ثانياًً: هذا الحديث أصل في وجوب التوقف عما يشكل من الأمور (١) فلا نحكم عليه بصحة ولا بطلان، ولا بتحليل
(١) كما نقله العيني عن الخطابي في " شرحه على البخاري " ج ١٨.