للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا هو مذهب مالك والشافعي وأحمد والجمهور، لحديث الباب، ولعموم قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) وقال أبو حنيفة: إن عجز عن البينة لزمه اللعان فإن لم يلاعن حبس حتى يلاعن أو يكذب نفسه فيحدُّ للقذف، وإذا امتنعت المرأة عن الملاعنة أقيم عليها حد الزنا وهو قول مالك والشافعي (١)، وذهب أحمد وأبو حنيفة إلى أنها تحبس حتى تلاعن أو تقرّ بالزنا فتحد. أما الأحكام التي تترتب عليها بعد الملاعنة فهي كما يلي: (أ) يفرّق بينهما فرقة مؤبدة، ويفسخ نكاحهما فسخاً يقتضي التحريم كالرضاع عند مالك والشافعي وأحمد وأبي يوسف، فلا تحل له أبداً، لما جاء في حديث سهل " فمضت السنة بعدُ في المتلاعنين أن يفرق بينهما، ثم لا يجتمعان أبداً " أخرجه أبو داود والبيهقي والدارقطني، فلا يجتمعان ولو أكذب أحدهما (٢) نفسه.

وقال أبو حنيفة: الفرقة الناشئة عن اللعان طلاق بائن لا يتأبد بها التحريم، وإن أكذب نفسه جاز له تزوجها. لما جاء في حديث عويمر أنه قال بعد الملاعنة: " كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، فطلقها ثلاثاً قبل أن يأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " وأجاب أبو حنيفة عن قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث سهل " لا يجتمعان أبداً " بأن معناه لا يجتمعان ما داما على لعانهما، فإن أكذب الرجل نفسه جازت له زوجته وحاصل الخلاف أن مالك والشافعي وأحمد في رواية يرون أن اللعان يستوجب الفسخ والفرقة الأبدية بين الزوجين بنفس اللعان، إما بعد فراغ الرجل من شهادته كما يقول الشافعي، أو بعد فراغ المرأة من شهادتها كما يقول مالك، أما أبو حنيفة فإنه يرى أن اللعان يستوجب الطلاق البائن، ولا يتم الطلاق إلّا إذا أوقعه الزوج على نفسه، أو أوقعه الحاكم عليه نيابة عنه. (ب) أن الولد


(١) والسبب في اختلافهم هذا اختلافهم في معنى قوله: (وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ) فإنهم اختلفوا في تفسير العذاب على قولين، أحدهما حد القذف وبه قال الشافعي ومن وافقه، والثاني: الحبس، وبه قالت الحنفية.
(٢) تكملة " المنهل العذب المورود على سنن أبي داود " ج ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>