من تَبَنَّى رَجُلاً في الجَاهِلِيَّةِ دَعَاهُ النَّاسُ إليهِ، وَوَرِثَ مِنْ مِيرَاثِهُ حتَّى أنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ -إلى قوله- وَمَوَالِيكُمْ) فرُدُّوا إلى آبَائِهِمْ، فمَنْ لَمْ يُعْلَمْ لَهُْ أبٌ كَانَ مَوْلَى وأخَاً في الدِّينِ".
ــ
- صلى الله عليه وسلم - تبنى سالماً وأنكحه بنت أخيه هند بنت الوليد بن عتبة" أي أن هذا الصحابي الجليل الحسيب النسيب الذي جمع بين شرف النسب وشرف الدين وشهد بدراً مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد تبنى سالم بن معقل وزوّجه ابنة أخيه " هنداً " الحرة الشريفة الكريمة النسب العريقة الأصل " وهو مولى لامرأة من الأنصار " أي والحال أنّه عبد مملوك لامرأة من الأنصار اسمها ثبيتة بنت يعار " كما تبنى النبي - صلى الله عليه وسلم - زيداً " أي زيد بن حارثة، فكان يدعى زيد بن محمد " وكان من تبنى رجلاً في الجاهلية دعاه الناس إليه " أي ألحقوه به نسباً، وأصبح ولداً كأولاده من صلبه " وورث من ميراثه " كولد الصلب تماماً " حتى أنزل الله عز وجل: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ) " أي استمر ذلك حتى أنزل الله تعالى قوله: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ (١) فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ) فأبطل التبني.
فقه الحديث: دل هذا الحديث علي ما يأتي: أولاً: استدل به ابن حزم ومن وافقه من أهل العلم على أن المعوّل عليه في كفاءة النكاح هو الإيمان والدين فقط لأن أبا حذيفة لم تمنعه عراقة نسبه، وشرف منزلته في الجاهلية والإِسلام من تزويج ابنة أخيه الحسيبة النسيبة لعبد مملوك. ولهذا قال ابن حزم ومن وافقه من أهل العلم: لا كفاءة إلاّ في الدين، فلا يجوز للمسلمة أن تتزوج كافراً، أمّا ما عدا ذلك فأي مسلم له الحق أن يتزوج أية مسلمة ما لم تكن زانية أو يكن زانياً ولم يتوبا توبة نصوحاً. وهو مذهب البخاري ورواية عن مالك في
(١) قال أهل العلم: معناه فإن لم تعرفوا شخصاً تنسبونه إليه فقولوا يا أخي أو يا ابن عمي. اهـ. كما في التفسير المنير.