للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في النفوس، فمن فعل ذلك مستحلاً لما يفعله فقد حرّم الله عليه الجنة، ومن فعله وهو يعلم أنه حرام تحت تأثير نزعة شيطانية فهو فاسق عاص، لا يدخل الجنة حتى يعاقب على جريمته هذه بالنار، إلاّ أن يعفو الله عنه، أو يتوب من جريمته.

فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: أن النميمة كبيرة من الكبائر، لأن هذا الوعيد الشديد لا يترتب إلَّا على ارتكاب كبيرة، وذلك لأن " النميمة " ظاهرة عدوانية خطيرة تفكك المجتمع، وتقطع العلاقات وهي وليدة الحقد والحسد، ولهذا كان النمّام بغيضاً إلى نفوس العقلاء منبوذاً عندهم، لا يرتاحون إليه، وقد روي أن بعض الفضلاء زاره أحد هؤلاء، ونقل إليه من غيره ما شاء من حديث، فقال: بئس ما صنعت، أتيتني بثلاث جنايات، بغضت إليَّ أخي، وشغلت قلبي، واتَّهمت نفسك، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا يبلِّغني أحد من أصحابي عن أحد شيئاً، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر " أخرجه أبو داود (١). وقد وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - النمامين بأنهم شرار الخلق، فقال - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث عبد الرحمن ابن غنم: " خيار عباد الله الذين إذا رأوا ذكر الله، وشرار عباد الله المشاؤون بالنميمة (٢)، المفرقون بين الأحبة " أخرجه أحمد (٣). ثانياًً: أن نقل الحديث إذا ترتب عليه مصلحة شرعية للمنقول إليه كإنقاذه من قاتل، أو لص، أو غير ذلك، أو كان فيه مصلحة للمسلمين، فإنه يكون مستحبّاً، أو واجباً على حسب ما يقتضيه الحال، ولهذا قال البخاري في الترجمة: " باب ما يكره من النميمة " فأتى بكلمة من التبعيضية ليشير بذلك إلى أن المُحرَّم هو بعض النميمة


(١) والترمذي وقال: هذا حديث غريب من هذا الوجه. (ع).
(٢) " المرقاة شرح المشكاة " ج ٤.
(٣) وإسناده ضعيف. (ع).

<<  <  ج: ص:  >  >>